فاسدون من جهات رسمية يخفون الادلة التي تدينهم

المخدرات في العراق

علي غزاون

تروي ابتهال سالم (22 سنة)نزيلة في سجن النساء المركزي بالعاصمة العراقية بغداد كيف أنها اعتقلت للمرة الأولى سنة 2019 بمحافظة واسط جنوبي البلاد، وكان بحوزتها كيلو ونصف الكيلو غرام من مادة الكريستال المخدرة.

وكيف أنها استطاعت اقناع ضابط مفرزة الشرطة برفقة أحد تجار المخدرات الكبار بإخلاء سبيلها “مقابل 50 الف دولار والاستيلاء على مادة الكريستال، مثيل الامفيتامين”على حد قولها.

وتتابع:”بعد اخلاء سبيلي عدت لممارسة تجارة المخدرات بشكل طبيعي وكنت اتنقل بين محافظة وأخرى بنحو آمن، ومنذ تلك العملية، القي القبض عليَّ 11 مرة، وكنت دائما افلت من قبضة القوات الأمنية بعد مساومات مالية”.

أصدرت محكمة الجنايات في العاصمة بغداد سنة 2022 حكماً ضدها بالسجن لست سنوات، وفقا للمادة 28 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية. وتوجز قصة امتهانها تجارة المخدرات، بقولها:”تورطت في ذلك بعد أن قادني العوز المادي عام 2016 الى العمل في الكافيهات والملاهي الليلة وهناك تعرفت على أشخاص يعملون في تجارة المخدرات والسلاح، وكونت شبكة علاقات”.

ويتم سنويا ضبط أطنان من المواد المخدرة في ظل وجود سوق رائجة في العراق وحدود شبه مفتوحة مع دول كبيرة منتجة لها كإيران وسوريا ويسهل التهريب عبرها، في حين كان العراق مجرد معبر لتلك التجارة قبل العام 2003 باتجاه الخليج أو أوروبا عبر تركيا.

ابتهال دلفري

في أول نشاط فعلي لها في عالم المخدرات، استحصلت ابتهال من خلال علاقاتها على موافقة تقول بأنها أصولية(رسمية) لتسهيل عبور عجلة كانت قادمة من محافظة واسط الى العاصمة ، تحمل مواداً انشائية وبداخلها 2 كيلو من مادة الكريستال، لحساب تاجر مخدرات في منطقة المنصور وسط بغداد.

تقول: “تمت الصفقة ومنحني التاجر مكافأة قدرها 3000دولار، وكلفني بتوزيع نحو كيلو كريستال خلال يومين فقط داخل كافيهات محددة في منطقة الوشاش جنوبي بغداد، وفعلا نجحت في الاختبار”.

تدريجيا توسعت علاقات ابتهال بتجار المخدرات، “تعرفت على الكثير منهم وصرت اتجول في البصرة والعمارة واربيل والسليمانية وأنقل كميات محدودة منها، كنا نحصل عليها من تجار آخرين وعبر التهريب من ايران”.

وتشير إلى أنها عملت لاحقاً بمفردها ومعها ثلاثة سواق: “نوزع المخدرات في مناطق الدورة والبياع والشعب وحي الحسين وحي الجامعة ومدينة الصدر ومنطقة الوشاش التي تعد بؤرة المخدرات في العاصمة، ونجحت ذات مرة بتصريف 3 كغم في يوم واحد بمناطق متفرقة منها”.

ولضمان ولاء السائقين، كانت تمنح كل واحد منهم خمس غرامات من الكريستال يومياً كمكافأة، وكانت تخيريهم بين بيعها لأنفسهم بــ 25 الف دينار(أكثر من 19 دولار) لكل غرام أو تعاطيها.

وتضيف: “الكميات الصغيرة من المخدرات كنت انقلها بواسطة دراجات نارية، أما الكميات الكبيرة فكنت أضعها داخل غسالات الثياب أو مضخات المياه، بعد تفريغها من محتوياتها الكهربائية، وانقلها بداخل شاحنات”.

على الرغم من صغر سنها ومحدودية تجربتها وشبكة علاقاتها، مارست ابتهال تلك التجارة بين عدة محافظات طوال أربع سنوات، ونجحت في الإفلات من عمليات الاعتقال المتكررة بعد دفعها رشاويا، لكنها فشلت في المرة الأخيرة وتمت إدانتها، في حين أن آخرين تمكنوا من الإفلات في مراحل التحقيق المتقدمة، كما تقول ابتهال وتؤكد مصادر قانونية.

تلاعب بالأوراق التحقيقية

وفق معلومات حصل عليها معد التحقيق، ينجح العديد من التجار في الإفلات من الملاحقة، من خلال التلاعب بالأوراق التحقيقية وتغييرها بما يضمن الافراج عنهم، يبدأ ذلك في مراكز التوقيف، وينتهي في محكمة التمييز.

ويمارس بعض المحامون أدوراً محورية في ذلك، خارج نطاق مهامهم المفترضة،  كما تقول محامية من محاطم استئناف بغداد الرصافة، طلبت عدم ذكر أسمها:”يدخلون في تعاملات مشبوهة مع عائلات مهربي المخدرات بما يسمح باطلاق سراحهم أو تخفيف الاحكام التي تصدر بحقهم لقاء مبالغ مالية كبيرة قد تصل على مئات الآلاف من الدولارات”.

وتؤكد بأن تلك الصفقات تجري بسرية تامة، ويتم على أثرها تخفيف عقوبة تاجر المخدرات أو حتى الافراج عنه.

وتأكيداً لما ذكرته المحامية، حصل معد التحقيق على تسجيل صوتي يعود لشقيق أحد تجار المخدرات من محافظة المثنى، يطلب من المحامية (ع ن) التدخل في تسهيل مهمة الافراج عن أبن عم له تخفيف الحكم المتوقع صدوره ضده (عندما يقابلها بعد ذلك يقر لها بأن المتهم شقيقه وليس ابن عمه)، وهو منتسب في الشرطة اعتقل في محافظة البصرة عام 2023 وكانت بحوزته كيلو غرام من مادة الكريستال، وأبدى شقيق التاجر استعداده لدفع رشىى مالية لقاء إخراجه.

المحامية تعود لتبين الطريقة التي تجري فيها صفقات افلات بعض تجار المخدرات من العقاب:”عادة ما تجري الاتفاقات بين المحامي وذوي تاجر المخدرات ويتم ايداع المبالغ المالية لدى طرف ثالث يتم الاتفاق عليه أو عبر شركة صيرفة، وتسلم الأموال بعد الحصول على قرار تخفيف الحكم أو الافراج عنه”.

وفيما يتعلق بمتعاطي المخدرات الذين يتم اعتقالهم، تكشف المحامية عن قيام بعض ضباط التحقيق بالتواصل مع عائلات المتهمين، ويعرضون عليهم المساعدة للافراج عنهم من خلال “تأخير المتهم ثلاثة أيام في مركز التوقيف قبل سحب عينة الدم أو الادرار حتى تختفي المادة المخدرة من جسده، ومن ثم تكتب افادته بتاريخ لاحق دون احتساب وقت اعتقاله الحقيقي، واذا رفضت عائلة المتعاطي دفع المبلغ المالي المطلوب يتم عرض المتهم على قاضي الخفر بشكل مباشر”.

وبشأن تجار المخدرات الكبار تشير المحامية، إلى أن بعض ضباط التحقيق يقومون بالاتفاق مع عائلة التاجر أو المحامي الخاص به على اتلاف كمية المخدرات داخل مركز التوقيف أو استبدالها بمادة غير مخدرة، قد تكون مادة الشب أو الملح أو أي مادة أخرى مشابهة، وبعد ارسالها الى مختبرات الطب العدلي يتبين ان المادة غير مخدرة، بالتالي يتم الافراج عن المتهم حال عرضه على القاضي لعدم كفاية الأدلة”.

وتنبه أيضاً إلى ثغرة قانونية يستغلها تجار المخدرات والمتعاونين معهم من ضباط ومنتسبي الاجهزة الأمنية للإفلات من العقاب، تتعلق “بالمبارز الجرمية اثناء عمليات الاعتقال، إذ لا يتم ذكر نوع المادة المخدرة اثناء كتابة التقرير الأولي، بل تكفتي المفارز الامنية بكتابة عبارة “مادة غير معلومة او مجهولة” في حقل المبرز الجرمي.

تعد هذه الفقرة هي الثغرة الأبرز في مساعدة تجار المخدرات على الافلات من العقاب، لأن تلك المواد (غير المعلومة على الورق) تستبدل بمواد غير مخدرة قبل وصولها الى مراكز التوقيف، وتصبح دليلاً لا يعتد به.

“ويجري الطعن بقرارات ادانة تجار المخدرات في محكمة الإستئناف ثم أخيرا التمييز بعد تنسيق سري يجري بين بعض المحامين مع بعض القضاة هدفه تخفيف الأحكام أو حتى الافراج عن موكليهم من تجار مقابل مبالغ مالية كبيرة تدفع للمشاركين في الصفقة” وفقا لقول المحامية ومصدر مطلع في جهاز الامن الوطني.

وفقاً لإفادات محامين آخرين التقاهم معد التحقيق، فأن القضاء العراقي أصدر خلال العاميين الماضيين 2022 و 2023 مذكرات اعتقال وتوقيف بحق أكثر من 50 محامياً ومحامية، بعد كشف تعاونهم في عمليات تحايل أو دفع رشاوى للإفراج عن المتهمين بالمخدرات.

كما أصدر قاضي محكمة جنح الرصافة في العام 2023 قرارا بمنع احدى المحاميات من دخول المحكمة لشكوك بشأن تعاونها مع تجار ومسؤولين حكوميين للتوسط في تخفيف الأحكام ضد بعض تجار المخدرات.

كما اعتقلت في ذات العام احدى المحاميات في محكمة التحقيق المركزية في بغداد، بعد ادعائها بانها زوجة أحد القضاة واتهامها بالحصول على رشى مالية من ذوي المعتقلين بقضايا المخدرات.

تأكيد الظاهرة

مصدر مطلع في جهاز الأمن الوطني يؤكد تكرر حالات استبدال المواد المخدرة بالشب والملح داخل مراكز التوقيف التابعة لمكاتب مكافحة المخدرات أو الجريمة المنظمة.

ويقول أن تلك الحالات ليست منفردة بل كثيرة، وهي تجري بالتنسيق بين ضابط الدعوى وأهل المتهم، مبينا أن الكلفة المادية لتمرير صفقة الاستبدال أو تقليل كمية المواد المضبوطة أو تغيير عينات الدم والادرار، تكون حسب كمية المادة المخدرة المضبوطة ومكانة التاجر أو المتعاطي.

 المصدر الأمني الذي فضل عدم ذكر أسمه لأنه غير مخول بالتصريح،  يذكر على سبيل المثال القاء القبض على تاجر مخدرات في مدينة الناصرية التابعة لمحافظة ذي قار سنة2017 وكان بحوزته أكثر من 100 الف حبة مخدرة، على أثر ذلك تم الحكم عليه بـ 15 عاماً، ثم خفف الحكم إلى خمس سنوات بعد تدخلات وصفها بالمؤثرة من جهات نافذة،  كما ان عائلته دفعت مبلغ 100 ألف دولار كرشوة في مرحل التحقيق الأولى.

ويضيف المصدر: “بعد استكماله لخمس سنوات من محكوميته خرج من السجن، وعاد مرة أخرى لمزاولة تجارة المخدرات، والقي القبض عليه مرة أخرى، وخوكم بـ15 سنة، ثم انتحر داخل السجن لفشل عائلته في تخفيف محكوميته للمرة الثانية”.

ويكشف المصدر عن محاولات لعرقلة عمل الجهاز الأمني يمارسها متنفذون في مكاتب مكافحة المخدرات أو الجريمة المنظمة تتمثل “بعدم التعاون في تزويدهم بالمعلومات عن الأهداف الأمنية أو أحيانا التواصل مع المتهم وتحذيره قبل المداهمة للقبض عليه”.

اتهامات تواطئ بعض أفراد الاجهزة الامنية مع كبار تجار ومافيات تجارة المخدرات، يؤكدها المتعافي من ادمان المخدرات ماهر ابراهيم (29 سنة) الذي يقول بأن بعض تجار المخدرات يرتبطون بعلاقة وثيقة مع افراد في الاجهزة الامنية ويتلقون منهم اشعارات تتعلق بأوقات مداهمة اوكارهم وملاحقة العصابات كما تنبئهم عن وجود المرابطات الامنية المفاجئة ومكان وجودها”.

اتهامات لدوائر الطب العدلي

أحمد علي، أسم مستعار لمحام، شارك معد التحقيق بعض المعلومات التي حصل عليها بحكم عمله، وهو مثل غالبية من قدموا شهادات في هذا التحقيق، حجبنا أسمائهم الحقيقية لكي لايتعرضوا لإجراءات انتقامية أو للمسائلة القانونية.

يقول:”منذ اللحظة الأولى لاعتقال تاجر المخدرات يجري التواصل مع عائلته أو المحامي الخاص به من قبل بعض المنتسبين أو ضابط التحقيق ليخبره باعتقاله وبعدها يتم الاتفاق ما بين الضابط والمحامي أو عائلة المتهم على أن يقوم ضابط التحقيق باستبدال المادة المخدرة بمادتي الشب أو الملح، اذا كانت المادة المخدرة كريستال، والحناء اذا كانت المادة المخدرة حشيشة”.

ويضيف: “بعد ذلك يعرض المتهم على قاضي التحقيق وينكر أن المواد التي ضبطت بحوزته كانت مواد مخدرة، بالتالي يأمر القاضي بإيقافه وارسال المادة المضبوطة الى مختبرات الطب العدلي لغرض فحصها، وقبل ان تصل المادة المخدرة الى الطب العدلي، يتم استبدالها بمواد غير مخدرة”.

وبشأن المتعاطين يقول المحامي:” يجري استبدال عينات فحص دم أو ادرار المتعاطين في الطب العدلي بالاتفاق ما بين وسطاء عن المتهمين مع اطباء في الطب العدلي، ليتم الحصول على تقارير طبية تؤكد عدم تعاطيه، ومن لا يدفع مبالغ مالية لايحصل على مثل هذه التسهيلات والتواطؤ”.

ويكشف عن أن قيمة الرشاوى التي تدفع لقاء الحصول على تلك التقارير، تتراوح ما بين 20 – 40 الاف دولار وحسب أهمية المتعاطي أو التاجر، مبينا أن ما يشبه شبكات “للإفلات من العقاب” تشكلت، تضم افرادا في الجهات المعنية، قادرين على تغيير الوقائع من خلال اتلاف وتغيير الأدلة، على حد زعمه.

اقرار بمشكلة الافلات من العقاب

يؤكد مدير عام دائرة الطب العدلي زيد عباس، حدوث عمليات استبدال لمادة الكريستال المخدرة بالشب والملح، موضحاً أن وزارة الصحة “اتخذت بالتعاون مع وزارة الداخلية مجموعة من الإجراءات الأحترازية للوقوف ضد عمليات الاستبدال”.  

ويقر:” وصلتنا العديد من المبرزات الجرمية وبالفعل اكتشفنا خلال الفحص بأنها مادة شب أو حنّاء، وما اثار استغرابنا أن تلك المبرزات تأتي على شكل رزم مختومة ومغلقة بإحكام”.

طبيعة الرزم المختومة التي أثارت شكوك مسؤولي الطب العدلي، دفعتهم في مطلع العام 2023 الى التوجيه بأخذ عينات من داخل كيس الضبطية، بدلا من أخذ عينة الشب او الملح.

يقول عباس:” بدأنا نأخذ مسحة من داخل الكيس الذي وضع فيه الكريستال، فاذا أظهرت النتائج أن الكيس كانت موضوعة فيه مادة الكريستال وليس الشب، فذلك يعني ان المادة تم استبدالها اثناء نقلها من الجهة الضابطة الى الطب العدلي”.

ويتابع:” في العام 2023 تم ضبط منتسب أمني كان معتمدا لنقل المواد المضبوطة ما بين الجهات الأمنية الضابطة والطب العدلي، اكتشفنا أنه يعمل على استبدال المادة المخدرة بالشب والملح”.

ويؤكد مدير عام دائرة الطب العدلي، أن المنتسب ضبطت في عجلته ومنزله كميات كبيرة من المخدرات، وهو كان يتلاعب حتى بتقارير المتعاطين “بتحويلهم من متعاطين الى غير متعاطين”.

بناءً على اكتشاف ذلك وحصول عمليات تلاعب، تم تغيير الآليات السابقة بالاتفاق مع مديرية مكافحة المخدرات، وذلك بوضع المخدرات في أكياس خاصة حال ضبطها، واذا تم فتحها من قبل الضابط أو المنتسب يصعب غلقها مرة أخرى “وحال ورودها لنا سنكتشف بأنه تم التلاعب بها ويتم اعادتها بشكل مباشر ورفضها” يقول مدير دائرة الطب العدلي.

وكانت دائرة الطب العدلي قد أتلفت  مطلع العام 2023 بموجب أحكام المادة 42 من قانون رقم 50 لسنة 2017 كمية بلغت نحو 18 طناً من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والسلائف الكيمياوية.

 فيما بلغت أعداد الأقراص  المخدرة أكثر من 10 مليون حبة، و 68 قنينة من مادة الكودائين ، وأكثر من 4 ألف أمبولة من مادة، و كميات أخرى من الميثادون والحشيشة الميدرابيد، وهذا بحسب مصادر في دائرة الطب العدلي.

ثغرات قانونية

يرى الخبير القانوني علي التميمي، أن الانتشار الكبير للمخدرات في العراق خلال السنوات الأخيرة وتحولها الى مشكلة كبرى تحمل مخاطر اجتماعية واقتصادية وتداعيات عميقة، يتطلب تحركا متكاملا لمواجهتها وتقديم المعالجات المختلفة بدءا بالقانونية منها.

ويعتقد بأن علاج المشكلة أو الحد منها “يتطلب تشديد العقوبة بحق مقترفيها” واعادة النظر في القوانين العقابية المتعلقة بها كقانون المخدرات رقم (68) لسنة 1965 لأن هذا التشريع لم يعد ينسجم مع تطور اساليب المتاجرين بالمخدرات والأنواع الجديدة المستخدمة، خاصة فيما يتعلق بإغواء الاحداث وتشجيعهم على تعاطي المخدرات وترويجها.

ويجرم قانون المخدرات (68) المتاجرة بالمخدرات وصناعتها، والاستخراج والتحضير والحيازة والتقديم والعرض للبيع والتوزيع والشراء، كما يمنع المتاجرة بالمستحضرات الحاوية على مخدرات مهما كان نوعها.

كما نصت المادة الرابعة عشرة الفقرة (ب) على عقوبة الاعدام أو السجن المؤبد ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لكل من ارتكب بغير اجازة من السلطات المختصة فعلا تضمن استيراد أو جلب بأية صورة من الصور المخدرات او أنتجها او صنعها بقصد الاتجار بها او باعها او سلمها للغير او تنازل له عنها بأية صفة كانت ولو كان ذلك بغير مقابل، وحيازة المخدرات او احرازها او شرائها او تسليمها بأية صفة كانت بقصد الاتجار بها.

ويبين التميمي، أن “المتاجرة بالمخدرات من الجرائم التي لا يجوز اطلاق سراح المتهم فيها بكفالة، كونها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالإعدام، وفق ذلك يجب احالة المتهم موقوفا على محكمة الجنايات المختصة”.

ولخطورة جرائم المخدرات، فأن مرتكبيها لم يشملوا بقانون العفو العام رقم 19 لسنة 2008 “كونها من جرائم الخطر العام لاسيما اذا تم استخدام الأموال التي يتحصل عليها في تمويل الارهاب وغسيل الأموال” بحسب التميمي.

من جهتها تؤكد الاكاديمية والباحثة في الشأن الاجتماعي، ندى العابدي، أن السيطرة على تجارة المخدرات تحتاج الى قوانين صارمة وأن لا يتم التغاضي عن أي جريمة، كما تتطلب “تكاتفا اجتماعيا” وحلولا لمشاكل الشباب وعلى رأسها البطالة من خلال توفير فرص العمل.

وتضيف: “يجب أن تهتم العائلة بأبنائها، وتنتبه لسلوكياتهم كون معظم المتعاطين يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية ويحاولون الهروب منها عبر تعاطي هذه السموم”.

رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، حدد خلال مؤتمر نظمته المديرية العامة لشؤون المخدرات متطلبات التصدي للظاهرة، بوضع استراتيجية وطنية شاملة يكون محورها التأسيس لمنظومة عمل متكاملة بين القضاء والأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة المخدرات.

وقال أن تلك المنظومة عليها سد الثغرات التي أفرزها التطبيق العملي لقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 والتي “يستغلها كبار التجار والممولين لتجارة المخدرات في الإفلات من العقاب، مع إجراء التعديلات التشريعية المناسبة على هذا القانون”.

في 20 آذار 2018 انتقد رئيس المحكمة الجنائية المركزية القاضي احمد الأميري، قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، واصفاً اياه “بالهزيل”،

إذ يرى القاضي أن مواد القانون الجديد “جاءت بعقوبات بسيطة ومخففة جداً لجرائم المخدرات وحولت بعضها الى جنحة بعد أن كانت كل جرائم المخدرات بموجب القانون القديم جرائم جنايات وبأحكام شديدة ورادعة لخطورتها”.

وينتقد عد تعاطي المخدرات في القانون الجديد بأنه “جنحة” على الرغم من خطورة ذلك مع تزايد التعاطي بين الشباب، ويقول:” كان الأولى وضع عقوبة رادعة لا سيما أن العراق ليس منتجاً ولا مصدراً وانما مستهلك للمخدرات”.

ويشير الى أن “القانون الجديد وفر الأرض الخصبة لتجار المخدرات لتصريف مخدراتهم نوعا ما”على حد قوله.

وينبه قاضي المحكمة المركزية الى آليات تجارة المخدرات في العراق، مشيرا الى تشكل حلقات متسلسلة كل لها دورها، تمثل الحلقة الأولى المستورد ويدعى بالـ(الحجي أو الرئيسي) وغالبا ما يتواجد في المحافظات الجنوبية وهو من يقوم بنقل وتهريب المخدرات من دول الجوار”.

اما الحلقة الثانية فهو التاجر الثانوي وهو الشخص الذي يقوم بشراء المخدرات واعادة بيعها الى آخرين بسعر أكبر وغالبا ما يتم اختياره بعناية من قبل المستورد.

التصنيع محليا

لكن العراق لم يعد مجرد معبر او منطقة استهلاك للمخدرات فقطـ بل بدأت تنشأ فيه صناعة للمخدرات، بدأت تظهر من خلال ما يعرف بالطباخين الذين يتواجدون في منطقة العزير بمحافظة ميسان.

وتشير مصادر أمنية تواصل معها معد التحقيق إلى أن”أغلبهم من الكوادر الطبية، يعملون على طبخ مواد خاصة تنتج عنها مادة الكريستال”، وأن بعض مواد طبخ الكريستال متوفرة في العراق فيما تصل للبلاد المواد غير المتوفرة عبر تهريبها من ايران مرورا بمحافظتي ميسان والسليمانية.

محاولات صنع المخدرات في العراق ليست جديدة تماما، فمحكمة شط العرب بمحافظة البصرة نبهت في العام 2018 الى وجود تلك الصناعة.

قاضية التحقيق المختصة بقضايا المخدرات في محكمة شط العرب علياء ناصر، كشفت في تصريحات سابقة عن وجود معامل في البصرة لصناعة بعض أصناف المخدرات غير النباتية وعلى رأسها المخدر الذي صار ذائع الصيت لاحقا  تحت مسمى (الكريستال”.  

وبشأن كيفية انشاء هذه المعامل وعددها، أفادت القاضية بأن المعلومات المتوفرة عنها تظهر ان عددها ليس كبيرا وان أصحابها ينشؤونها كورش في غرف داخل منازل سكنية لضمان سرية موقعها، وأن عملية تعلم التصنيع جاءت نتيجة العلاقات بين تجار المخدرات العراقيين وتجار بلدان الجوار وتبادلهم للمعلومات فيما بينهم.

اضافة الى العراقيين هناك أفراد من جنسيات أجنبية يقومون بعملية تصنيع مادة الكريستال في محافظة البصرة. تقول القاضية “هناك طباخون من جنسيات اجنبية يقومون بهذا العمل وتم إلقاء القبض على مجموعة منهم ومحاكمتهم والآن هم في السجون العراقية، ومنهم من لم تصلهم الأجهزة المسؤولة إلى الآن”.

وأضافت القاضية أن “المعلومات التي حصلنا عليها من المتهمين الذين ألقي القبض عليهم، تؤكد أن المصنعين أو ما يعرفون بـ(الطباخين) يرفضون تعليم العراقيين طريقة إنتاج مخدر الكريستال، لذا يضطر بعض المروجين للمخدرات من العراقيين إلى الاستمرار في التعاون مع هؤلاء الأجانب للإنتاج داخليا، بما يحقق لهم مكاسب أعلى من مكاسب الاستيراد من خارج البلاد”.

من جهته يدعو عضو لجنة المخدرات في البرلمان ارشد الصالحي، الى اعادة النظر في بنود قانون المخدرات لضمان عدم التساهل مع كبار تجار المخدرات، مع تنظيف الأجهزة الأمنية الموجودة في المنافذ الحدودية من العناصر الفاسدة لمواجهة دخول المخدرات عبر المنافذ.

الصالحي كشف النقاب عن انواع المخدرات المنتشرة، وأولها مادة المثيل أميفيتامين المعروف محليا بالكريستال والذي يعد خطراً للغاية كونه عبارة عن مركبات صناعية وكيميائية ذات أثر سلبي على الجسم فضلا عن انه من أكثر الأنواع انتشارا في البلاد لسهولة صنعه ونقله وتشابهه مع مواد أخرى كالملح والسكر والشب.

عضو البرلمان العراقي يقول أن “مسؤوليتنا التشريعية تستدعي منا جميعا تشديد الاجراءات بشأن المجرمين وكذلك العمل على متابعة ضباط التحقيق ومراقبة عملهم”.

ويدعو الصالحي الى ابعاد مدراء أقسام مكافحة المخدرات في المحافظات عن المحاصصة الحزبية التي أضرت بعملهم كثيرا، ودعا الى تشكيل جهاز أمني خاص بمكافحة المخدرات يرتبط برئيس مجلس الوزراء “يكون مشابها لعمل جهاز مكافحة الإرهاب للسيطرة على عمل ضباط المخدرات وابعاد الفاسدين والقضاء على عمليات مساومة المجرمين واطلاق سراحهم مقابل مبالغ مالية”.

متهمون بالأرقام

يقول عضو مفوضية حقوق الانسان السابق ورئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي أن العام 2022 شهد القبض على  17 الف تاجر وحائز مخدرات منهم 123 أجنبياً وبلغت كمية المواد المضبوطة نصف طن من المخدرات بكافة انواعها و18 مليون حبة مخدرة، فيما شهد العام 2023 القبض على 7 الاف تاجر وحائز مخدرات وضبط 12 طن من المخدرات والمؤثرات العقلية.

وفي مؤشر على ارتفاع حجم التجارة واعداد متعاطيها، شهد النصف الأول فقط من العام 2024 القبض على 7000 تاجر وحائز مخدرات مع ضبط 12 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية .

ويوضح الغراوي أن نسبة التعاطي في المناطق الفقيرة بلغت 17% وأن أعلى نسبة للمتعاطين هي للفئة العمرية من (15-30) سنة، مشيرا الى أن أكثر المواد تعاطيا في العراق هي الكريستال بنسبة بلغت 37.3% ثم الكبتاكون بنسبة 34.35% وبعدها الأنواع الأخرى والتي بلغت 28.35%.

جردة حسابية بعدد القضايا المعروضة في المحاكم العراقية بجميع المناطق الاستئنافية عدا إقليم كردستان، تظهر أن أغلب الدعاوى التي عرضت على المحاكم خلال 2023 هي دعاوى المخدرات التي تصدرت بـ(22778) دعوى، وجاءت بعدها دعاوى العنف الأسري وشملت قضايا التعنيف ضد النساء والرجال وكبار السن والأطفال، والتي كان عدد المحسوم النهائي منها (18436) دعوى.

وبلغت أعداد دعاوى المخدرات في محكمة استئناف بغداد الرصافة أكثر من (3364) دعوى وهو الرقم الأعلى بين المحاكم، تلتها رئاسة محكمة استئناف كربلاء بـ (2209) دعوى خاصة بالمخدرات، ثم البصرة بـ(2160).

واصدرت رئاسـة محكمـة اسـتئناف بغـداد الرصافة (3364) حكمـا بحـق متاجرين ومتعـاطين للمـواد المخــدرة في العـام 2023 وحده.

بينما أصدرت محكمـة الجــنح (2950) حكمـاً تخص المخدرات، وأصدرت الجنايــات 414 حكمـاً بينها 20 حكمـا بالإعـدام بحق متعاطين ومتاجرين بالمواد المخدرة.

خطة جديدة لمكافحة المخدرات

يؤكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد الموسوي، أن وزارة الداخلية ذاهبة باتجاهين، الأول ملاحقة التجار الدوليين والمحليين بالإضافة الى جهودها في ملاحقة الناقلين والمروجين.

 بينما يعمل الاتجاه الثاني للحد من الجريمة ومكافحتها عبر التوعية المجتمعية ومعالجة المدمنين من خلال المصحات القسرية في وزارة الداخلية والبالغ عددها 13 مصحة”نطمح الى رفع عددها الى 20 مصحة خلال الفترة المقبلة”.

وينفي الموسوي، وجود محاولات غير قانونية للتلاعب بإفادات المتهمين أو استبدال عينات الدم والادرار للمتهمين لحظة اعتقالهم مقابل مبالغ مالية، كما ينفي تسجيل شكاوى تتعلق باستبدال الكريستال بالشب والملح.

ويكشف عن اعتقال الداخلية لـــ 19135 متهما بتجارة وتعاطي المخدرات خلال عام 2023 وضبط اكثر من 4 أطنان من المخدرات و15 طنا من المؤثرات العقلية”، موضحاً أن اغلب المواد المخدرة المتداولة في العراق هي “الكبتاغون بالدرجة الاولى والكريستال بالدرجة الثانية”.

ومن الواضح أن إحصائية وزارة الداخلية  تبدو مناقضة للإحصائية التي قدمها عضو مفوضية حقوق الانسان السابق فاضل الغراوي.

طرق التهريب

يذكر مصدر أمني في وزارة الداخلية، رفض الكشف عن هويته لحساسية الملف، أن معظم أنواع المخدرات تدخل عبر حدود العراق المشتركة مع ايران خاصة في مناطق الاهواز والاهوار الجنوبية اذ تنقل برا عبر الحدود غير الرسمية أو عبر المياه من بواسطة القوارب(المشاحيف)الى داخل العراق.

ويبلغ سعر الغرام الواحد من مادة الكريستال الذي يشترى من ايران نحو (10 الاف دينار) ويباع في المحافظات الحدودية بـ(15 ألف دينار) وفي بغداد وباقي المحافظات يباع بسعر (60 ألف دينار) أو أقل.

وبحسب المصدر هنالك عدة خطوط داخلية لنقل وتوزيع المخدرات تتركز في المناطق المفتوحة جنوب محافظة ميسان (371 كلم جنوب بغداد) أهمها الكحلاء والعزير بالإضافة الى قلعة صالح لأنها مناطق حدودية تضم أهواراً ومسطحات مائية تسهل عملية تنقل تجار المخدرات فيها مع صعوبة السيطرة الأمنية عليها.

الى جانب تلك الخطوط ينشط التهريب عبر الحدود مع سوريا في منافذ سنجار ومخمور وناحية زمار، “هذه المنافذ الثلاثة يتم استخدامها لتهريب المخدرات الى نينوى والمحافظات القريبة منها”.

كما أن حبوب الكبتاغون تأتي من سوريا عبر محافظة الانبار وصولا إلى بغداد وباقي المحافظات بالإضافة إلى معابر كرستان حيث تهرب عبرها الكريستال والحشيشة، بحسب المصدر.

ويوضح المصدر ذاته أن غالبية المهربين “يقومون باستغلال النساء أو المعاقين في نقل المواد لتجاوز السيطرات الأمنية، أو بإدخال المواد في توابيت للحيلولة دون خضوعها للتفتيش”.

ويتم التوزيع بين المناطق المختلفة عن طريق ناقلين يتم استدراجهم بالطرق التقليدية كإغراء الفقراء البسطاء وسواق سيارات الأجرة بمبالغ كبيرة، أو توريطهم بالتعاطي ومن ثم تحويلهم الى موزعين، اضافة لمشاركة بعض سواق شاحنات النقل البري من المدمنين على الكريستال وحبوب (الصفر-1) التي تمنعهم من النوم لعدة أيام.

وعن نقاط ومواقع بيع هذه المواد، يضيف المصدر الذي قابله معد التحقيق في مقهى بمنطقة المنصور في بغداد “لا توجد نقاط بيع ثابتة أو موزعون بشكل منتظم، المروجون يحملون أسماء مستعارة ويتجنبون التواجد في نقاط محددة، ويتنقلون بشكل متواصل بين المناطق بواسطة الدراجات النارية والسيارات”.

ويشرح طريقة عملهم:”هم يتحركون عشوائياً، ويوزعون اعتمادا على الاتصالات الهاتفية مع المتعاطين أو المروجين الثانويين، وفي حال شعروا بالخطر يتخلصون من بضاعتهم أثناء التنقل وله   ذا يصعب اعتقالهم وادانتهم، وحتى عندما يُعتقل البعض وتضبط معه المواد لا تنتهي القصة، فهناك دائما مساحة للإفلات خاصة في ساعات وأيام التوقيف الأولى”.

(م. ش) تاجر مخدرات من أهالي الناصرية في العشرينات من عمره، اعتقل سنة 2023 وبحوزته أكثر من 500 غرام من الكريستال واشرطة حبوب مخدرة، لكنه افلت من الحساب.

يقول محام اطلع على القضية بحكم قربه من عائلته، أن إفادة (م.ش) تغيرت داخل مركز التوقيف بقضاء سوق الشيوخ وتحولت قضيته من متاجرة الى تعاطي بعد تقليل الكمية التي ضبطت معه، مقابل دفع 10 الآف دولار للشرطة.

حكم على الشاب الذي لم يكمل تعليمه الثانوي وظل عاطلا لسنوات عن العمل، بالحبس 9 أشهر فقط بتهمة تعاطي المخدرات، وأجبر على العلاج في مصحة المدمنين قسراً، وفق الاجراءات المعمول بها حاليا.

يتابع المحامي:” سيخرج قريبا وكل ما يشغل عائلته هو عدم عودته لذات العمل، كما فعل كثيرون غيره بعد الإفراج عنهم، وسط غياب فرص العمل وإغراءات الكسب السريع”.

وكان وزير الداخلية السابق عثمان الغانمي قد كشف عن تورط جهات سياسية متنفذة في الدولة بالوقوف وراء تجارة المخدرات في البلاد.

وقال الغانمي في تصريحات صحافية: إن “بعض الأطراف السياسية وغيرها من الجهات المتنفذة تقف وراء تجارة المخدرات”، وأكد “هذا العمل الكبير والخطير لا يمكن لأي جهة صغيرة القيام به”.

* تم حجب بعض الأسماء وتغيير اخرى، لضمان سلامة أصحابها

*انجز التحقيق تحت اشراف مؤسسة نيريج ضمن مشروع لمنظمة cfi الفرنسية.

Exit mobile version