هل هم بالفعل  عبدة للشيطان ؟

بعد عشر سنوات من هجوم داعش مازال الإيزيديون يشعرون بالتهديد

أحمد المصالحة

عشر سنوات مرت على عمليات إبادة الايزيديين بأيدي عناصر تنظيم داعش، مئات المؤتمرات عقدت وآلاف المقالات كتبت، لكن مازال الجهل المجتمعي كبيرا بالديانة الايزيدية والمعلومات الخاطئة عنهم كثيرة، وهي تثير مواقف مناوئة لهم ورافضة لطقوسهم، تخلق بدورها خطابات كراهية تمثل مصدر خطر على التعايش السلمي في البلاد.

تهمة “عبادة الشيطان” وادعاء التبعية للخليفة الأموي يزيد بن معاوية، جزء من معلومات خاطئة تنتشر عن الديانة الايزيدية في المجتمع العراقي، ما يعده الإيزيديون جهلا بديانتهم وتسويقاً للكراهية ويطالبون بوقفه، لمنع استخدامه مجددا من قبل التنظيمات “الإرهابية” كـ “داعش” لتبرير عنفها ضدهم، ويؤكدون بأن ديانتهم “موحدة وغير تبشيرية”.

تقول الناشطة المدنية نافين سموقي (30 سنة) انها عندما تُعرف عن نفسها كـ”أيزيدية” من سنجار، تتكرر على مسامعها نفس العبارات أو الأسئلة: “هل حقاً الإيزيديون عبدة الشيطان؟” هل هم “اتباع يزيد بن معاوية؟”.

وتعد الترويج لمثل هذه المعلومات تسويقاً لفكرة نبذ الايزيديين اجتماعياً وبالتالي تعريضهم وديانتهم لخطاب الكراهية. لذا فهي تطالب بالعمل على محاسبة من يستغل مواقع التواصل الاجتماعي لنشر تلك التوصيفات و”الأكاذيب” بشان ديانتها.

وضربت مثالاً على ذلك، ما نشره صانع محتوى عربي الجنسية، من مقاطع فيديوي خلال زيارته لمعبد “لالش” قبل أشهر أقدس المراكز الدينية الإيزيدية في العراق، ووصفه للمكان بانه”معبد لعبدة الشيطان”. وتقول:””ذلك الوصف دفع العشرات من متابعيه إلى وضع تعليقات وكتابات مسيئة تجاه أتباع الديانة، وبالنتيجة تم التسويق لمعلومات خاطئة سيأخذها البعض كحقائق”.

يقع معبد “لالش” في منطقة الشيخان(47كم)شمال مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وهو المعبد الرئيسي لأتباع الديانة الايزيدية ويعد الأكثر قدسية لديهم، وفيه تقام المناسبات الدينية السنوية المختلفة.

وتتابع الناشطة نافين سموقي:”صانع المحتوى ذاك، نشر معلومات خاطئة خلال زيارته للمعبد، ولم يتعب نفسه بسؤال أي من خدام المكان أو أحد الزائرين الايزيديين هناك أو أعضاء المجلس الروحاني الإيزيدي الذي يضم كبار رجال الدين الايزيديين والذين يبعد مكان تواجدهم عن موقع المعبد خطوات للاستفسار منهم عن دينهم ومعتقداتهم الصحيحة”.

الإيزيديون يؤمنون بإله واحد وسبعة ملائكة، ينتشرون في محافظتي نينوى ودهوك شمالي العراق، وتقدر أعدادهم بنحو نصف مليون نسمة في العراق ونحو مليون ونصف المليون في العالم، إذ يستقر الكثير منهم في ألمانيا وأذربيجان.

ويتحدث غالبية الايزيديين في العالم باللغة الكردية، عدا الايزيديون الذين يعيشون في منطقتي بعشيقة وبحزاني شمال شرق مدينة الموصل، كما يتم تداول كل تعليمات الديانة الايزيدية من “اقوال ومواعظ وأدعية” باللغة الكردية، وهذا ما جعل معتقدات الايزيدي مجهولة للآخر غير الناطق بالكردية.

يؤكد الناشط الايزيدي سيروان فندي (27سنة) تعرضه مثل غيره من الايزيديين، لمواقف سلبية من أناس ذوي تعليم محدود أو حتى يحملون شهادات عليا، “نتيجة تصورات بنوها اعتمادا على معلومات خاطئة”، مبينا ان ذلك يسبب له أىً نفسيا، لكنه على الرغم من ذلك يستمر في “محاربة المعلومات المغلوطة والتصدي لكل شخص يروج لها”.

وينبه فندي، الى أن “عدم قيام المؤسسات التعليمية والثقافية العراقية بواجبها في التعريف بالأديان المختلفة المتواجدة في البلاد، والهوة الاجتماعية نتيجة عقود من الصراعات الطائفية، وعدم وجود تعليم اساسي في المدارس لمعتقدات الفئات الدينية والمذهبية المختلفة، ساهم في ابقاء الإلتباس بشأن بعض الأديان كالايزيدية والكاكائية والمندائية وغيرها”.

ويشير إلى أن هذا ما دفع الكثير من الناشطين المدنيين والصحفيين من أديان مختلفة، الى تولي هذه المهمة من خلال الإنخراط في حملات توعية “وانضموا الى زملائهم الإيزيديين في التصدي للكثير من المعلومات الخاطئة والعمل على تصحيحها”.

عبادة الشيطان !

يقول الناشط الايزيدي نصر حاجي خضر، أن الإيزيدية ديانة “توحيدية تؤمن بالله والملائكة واليوم الآخر”، لكنها تختلف عمن سواها من الديانات التوحيدية الأخرى في طريقة العبادة، ويظل الجوهر هو “عبادة الله سبحانه وتعالى”.

ويذكر أن أول نص في الدعاء الإيزيدي، يؤكد على وحدانية الله، وترجمته الى العربية “الله واحد أحد، لا شريك له ولا صديق له، ان الله متجلي بوحدانيته”، وكذلك تسمية الإيزيدية لـ الله هي “خؤدى” وتعني ما خلق نفسه بنفسه، وهذا “قمة الوحدانية المتجسدة في الديانة الإيزيدية”. بحسب نصر حاجي.

ويضيف:”الباحثون الذين كتبوا عن الايزيدية في النصف الثاني من القرن العشرين وجلهم عرب لم يعايشوا الايزيدية ولم يستطيعوا التواصل العميق مع افراد هذه الديانة التي ظل اتباعها منغلقين على انفسهم حتى نهايات القرن العشرين، وتسببوا بكتاباتهم السطحية في تشويه الديانة الايزيدية، خاصة ما يرتبط بموقفهم من الشيطان”.

تذكر الميثولوجيا الايزيدية أن الله أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم بقصد اختبارهم، بعد أن كان قد أخذ عهداً منهم بأن لا يسجدوا لغيره. فسجدوا كلهم إلا “طاووس ملك” الذي أبى السجود لغير الله، ففاز بالامتحان وأصبح اقرب المخلوقات الى الله. وهو ما يجعله شخصية محورية في الديانة الايزيدية.

هذه القصة، بحسب باحثين، دفعت بعض اتباع الديانات الاخرى، الى عد طاووسَ ملك، الشيطان نفسه، ليوصف الايزيديون على ذلك الأساس بعبدة الشيطان، رغم رفضهم لذلك كونهم لا يؤمنون بوجود كائن شرير مثل الشيطان ويعتقدون أن الشر نابع من الإنسان نفسه.

يقول حاجي خضر، انه على الرغم من ان التهمة الموجهة للإيزيديين بعبادة الشيطان قديمة، لكن الترويج لها تم بنحو أكبر في سبعينيات القرن الماضي ابان حكم نظام حزب البعث، وتم “تجديدها واعادتها إلى الواجهة من قبل التنظيمات الإرهابية  مثل القاعدة ثم داعش لتبرير افعالها الاجرامية ضد الإيزيديين، من  قتل وخطف وغيرها”.

ويضيف ان اثارة هذه التهم وتسويقها اعلاميا نجحت في التأثير على عدد من الشباب “غير الواعي”، فانجرفوا خلف تنظيم “داعش” وقبله “القاعدة” اللذين سخراهم في “خدمة الأفكار المتطرفة فقاموا بعمليات قتل واسعة ضد الايزيديين مساقين بخطاب كراهية قوي”على حد تعبيره.

ونفذ تنظيم داعش في الثالث من آب 2024 هجوما واسعا على المناطق الإيزيدية في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، اسفر عن مقتل 1293 إيزيدياً أغلبهم من الرجال، واختطف 6417 إيزيدياً، منهم 3548 من الإناث ولايزال مصير نحو الفين وسبعمائة شخص معظمهم نساء مجهولا لغاية الآن.

كما أن تنظيم “القاعدة” نفذ بين عامي 2005 و2010 هجمات متكررة على الايزيديين في محافظة نينوى، راح ضحيتها المئات، مثل التفجيرات التي حدثت بشاحنات مفخخة في ناحية القحطانية التابعة لسنجار في 14 آب/أغسطس 2007 وراح ضحيتها 796 إيزيدياً وجرح 1562 آخرين واعتبرتها الامم المتحدة بأنها كانت أعنف وأكبر هجمة تستهدف المدنيين في العراق.

يرى خضر دوملي الباحث في شؤون الأقليات والأكاديمي في جامعة دهوك في أقليم كردستان؛ أن الإيزيدية واحدة من الديانات الضاربة في القدم في بلاد الرافدين / ميزوبوتاميا، وكان وجودها حاضرا منذ أكثر من ألفي عام.

ويضيف دوملي بأن تسمية “إيزيدي تعني بالكردية عبدة الرب وهذا دليل على وحدانية الديانة وهي من كلمة – أزداي – من خلقني – وايزيدي يعني من خلق نفسه، وهي دليل على تبعية الإيزيدية في ديانته الى الرب مباشرة”.

فجوة زمنية ولكن !

في جانب آخر، تنتشر معلومات خاطئة عن ارتباط الديانة الإيزيدية بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية بن ابي سفيان. يبين ذلك حاجي خضر، بقوله “ليس للإيزيدية أي علاقة بالخليفة يزيد بن معاوية”، ويشير إلى أن هذه المغالطة ظهرت نتيجة تشابه الألفاظ بين “الإيزيدية” ولفظ اسم الخليفة “يزيد” لا أكثر.

في حين يذكر خضر دوملي أن هنالك فجوة زمنية كبيرة بين تاريخ الديانة الإيزيدية التي تعود أصولها لـ2000 سنة قبل الميلاد، وبين الخليفة الأموي يزيد، الذي حكم في القرن السابع الميلادي.

ويؤكد، من خلال هذه الفجوة الزمنية الكبيرة يتضح أن لا علاقة للديانة الإيزيدية بالخليفة الأموي، وان الربط بينهما يهدف لوقع العداء بين الإيزيديين من جهة والمسلمين وبالأخص الشيعة منهم، ومن جهة اخرى المسألة “لاتتعدى التقارب اللغوي بين المفردات”.

ويزيد بن معاوية بن ابي سفيان، هو الخليفة الأموي الثاني، المتوفي سنة 683 ميلادية، وهو من الشخصيات التاريخية التي يثار جدل كبير بشانها لأن فترة حكمه شهدت واقعة “عاشوراء”، إذ قتل الحسين بن علي حفيد النبي محمد، وكذلك واقعة حصار جيشه لمكة المكرمة وضرب الكعبة بالمنجنيق.

بدوره يؤكد أستاذ التاريخ بالجامعة المستنصرية د. علي النشمي، أن الإيزيدية ديانة “توحيدية” تمدد جذورها إلى حضارات وادي الرافدين القديمة قبل الميلاد. وتميزت بتأثُرِها بالديانات القديمة كالزردشتية ثم المسيحية والإسلام، مكررا عدم وجود علاقة لها بيزيد بن معاوية.

قانون صارم لمنع الكراهية

وعن أسباب انتشار هذه المعلومات الخاطئة، يوضح خضر دوملي، أن الكثير من الكتاب لا يستطيعون التعمق في الفلسفة والثقافة الدينية الإيزيدية، كونها مكتوبة ومتوارثة ومتداولة باللغة الكردية الكرمانجية ولذلك كانوا ومازالوا يعتمدون على مصادر عربية سهلة الوصول اليها وغالبيتها تنقل صورا وتعريفات غير دقيقة ومتناقلة من بعضها دون التعمق فيها واجراء اي تحديث للمعلومات الواردة بشأنها والتي تضم الكثير من الأخطاء والمغالطات، وفقا لتعبيره.

ويواصل:”كما أن بعض المغرضين يحاولون اثارة الفتنة بين الإيزيديين وما حولهم من المجتمعات المختلفة، عبر بث خطابات كراهية تتضمن معلومات ملفقة ومن خلال إعادة نشر الأكاذيب بين فترة واخرى بحسب الاجندات السياسية أو الدينية”. 

وطالب دوملي بسن قانون صارم لمعاقبة ومحاسبة كل من يروج لمعلومات خاطئة بقصد بث الكراهية والفرقة بين معتنقي الأديان والمذاهب والمدارس الدينية بالعراق، مشددا على ان “احترام وحماية حرية العقيدة والتنوع الديني أحد واجبات مؤسسات الدولة”.

تغيير المناهج الدراسية

المُدرس التربوي أيوب حسن، يرى أن مواجهة خطابات الكراهية والفرقة والتمييز، لا يمكن أن تنجح الا من خلال المؤسسة التربوية التعليمية، ودعا الى حملة وطنية لتغيير المناهج الدراسية في المراحل الابتدائية والمتوسطة بما يضمن تلقي الطلاب معلومات دقيقة عن الديانات المختلفة بعيدا عن التوجهات الطائفية.

ويقول حسن، الذي تمتد خبرته لخمسة عشر سنة في التدريس، ان “ما حصل للايزيديين من ابادة في العام 2014 بأيدي عناصر داعش وعمليات قتل واسعة قبل ذلك، يجب أن تمثل درسا اجتماعيا ووطنيا، فقد حصل كل ذلك اعتمادا على معلومات خاطئة تم تسويقها لعقود طويلة بشأن الديانة الايزيدية، وتم خلال سنوات إثارتها مدفوعة بخطاب كراهية للآخر المختلف”.

ويشير الى ان مئات المؤتمرات التي عقدت بشأن الايزيديين وآلاف المقالات التي كتبت “لم تغير الكثير من المفاهيم السائدة فمازال الجهل المجتمعي كبيرا بالديانة الايزيدية، وهذا يثير مواقف مناوئة لهم تهدد بالنتيجة التعايش السلمي الهش في البلاد”.

الايزيدي كامل حسو، الذي يعيش نازحاً في مخيم بأطراف مدينة زاخو قرب الحدود التركية، يتساءل بامتعاض: “كل تلك الإبادات وشواهد القبور الجماعية المنتشرة في سنجار لضحايا العنف الديني، الم تكن كافية لشرح من هم الايزيديون ولإنهاء التمييز وخطابات الكراهية وطي صفحة الماضي؟”.

يعرب الشاب الذي اكمل قبل اربع سنوات تعليمه الجامعي، ويعمل حاليا في مجال البناء، عن قناعته بأن قصة النزوح الايزيدي المستمرة منذ عشر سنوات الى مخيمات الداخل، ستنتهي بهجرتهم الأبدية الى بلدان الخارج “طالما بقيت الدولة عاجزة عن وقف خطابات الكراهية المبنية على الجهل بمعتقدات وطقوس الآخر”.

Exit mobile version