عمار عزيز
أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة
يقول هادي دوباني(57 سنة):”داعش خرب علينا كل شيء، وجعلني اغادر أرضي التي
لم أكن أتصور يوما أن أغادرها” ويعدد أسباب هجرة الايزيديين من قضاء الشيخان 47كم
شمال الموصل:” الخوف من المستقبل، غياب العدالة الاجتماعية وأسباب أخرى كثيرة”.
دوباني شغل منصب مدير الوقف الإيزيدي في محافظة دهوك بإقليم كردستان لنحو منسبع سنوات،
يعتقد بان المزيد من الإيزديين سيهاجرون العراق لو وجدوا فرصاً مناسبة لذلك.
وينتشر الايزدييون في مناطقهم التأريخية، في قضاء سنجار غربي نينوى على الحدود مع
سوريا، وكذلك في قضاء الشيخان، وناحية بعشيقة 20 كم شرق الموصل، وبعض القرى في
قضاء تلكيف شمال الموصل وفي مخيمات وقرى متفرقة بإقليم كردستان.
وكان تنظيم داعش، قد هاجم قضاء سنجار في 3 آب/أغسطس سنة 2014، ووفقاً لتقديرات
جهات رسمية عراقية ودولية، فأن أعداد المختطفين من الإيزييدن بلغ 6417 شخصا معظمهم نساء
وأطفال، وقتل 1,293 شخص، ودمر التنظيم 68 مزاراً مقدساً، وخلف 80 مقبرة جماعية،
فيما نزح عشرات الآلاف صوب أقليم كردستان، وكثير منهم باقون لغاية الآن في مخيمات أقيمت
لهم هناك، بينما هاجر نحو 100 البلاد.
وكانت أعداد الإيزيديين في البلاد تقدر بنحو 550 ألفاً قبل 2014، نزح 350 ألفاً منهم إلى أقليم
كردستان، يرفض غالبيتهم العودة إلى قضاء سنجار، بسبب عدم اعمار المنطقة، وتواجد
قوى سياسية وعسكرية عدة هناك، فيخشى الايزيديون أن تتكر معهم تجربة صيف 2014.
أقلية بعد أن كانت أكثرية
وكما هو حال قضاء سنجار، فأن قضاء الشيخان يعد من المناطق التاريخية للإيزيدية، ويضم
معبدهم المقدس (لالش)حيث دفن مؤسس الديانة هنا(شيخ آدي) او عدي بن مسافر، وهو
موقع يحج اليه الإيزيديون من داخل البلاد وخارجها. وعلى مدى قرن بأكمله كان الأيزيديون
يشكلون الغالبية الساحقة من السكان هناك.
إذ يؤكد باحثون متخصصون في التاريخ أن نسبتهم كانت تصل إلى90%، غير انهم أضحوا اليوم
أقلية، إذ انخفضت نسبتهم إلى حدود 30% بسبب هجرتهم من جهة ونزوح مكونات أخرى الى
القضاء من جهة أخرى.
هادي دوباني، كان في الثالثة من عمره، عندما انتقلت عائلته من بلدة خانكي التابعة لقضاء سميل التابع
محافظة دهوك، إلى مركز الشيخان التابع إدارياً لمحافظة نينوى واستقرت فيه، هناك نحو ثلاثة
عقود قبل أن يقرر الهجرة بنحو نهائي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2016 الى ألمانيا حيث
يعيش الآن.
“كان والدي يخبرنا دائماً ان مركز الشيخان لم يكن يضم للفترة بين 1970 إلى 1975، سوى
ثلاثة عائلات مسلمة، وسبعة مسيحية، وعائلة يهودية واحدة فقط، والعائلات الأخرى جميعها من
الأيزيديين”. يقول دوباني مشيراً الى حجم التغيير الديمغرافي الذي حصل في المنطقة خلال عقود قليلة.
يضيف مسترجعاً شريط ذاكرته:”في شبابي وحتى أيام التحاقي بالجامعة للفترة بين 1989-1990
كان معظم أهالي الشيخان من الإيزيديين، كنت تجد نسبة قليلة من أبناء المكونات الأخرى”.
يتابع: “بعد قيام حزب البعث ومن خلال قرارات مدروسة، بنقل خدمات عدد من الموظفين المسلمين
من مدن أخرى إلى الشيخان، ومع افتتاح عدد من الدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس الجديدة
ارتفع عدد المسلمين تدريجيا في الشيخانً”.
تأكيداً، للتحولات الديمغرافية التي حصلت في الشيخان والتي غيرت التركيبة السكانية بنحو جوهري،
يذكر الكاتب المختص بالآثار والمهتم بتاريخ المنطقة محمد عارف تتر، أن “قضاء الشيخان تأسس
في 16-12-1924، وقبلها بنحو عشرين عاماً وتحديدا في العام 1900 نزحت من تركيا 11 عائلة
مسلمة لتستقر فيه”.
يضيف الكاتب:”حينها استقبل أمير الإيزيديين سعيد بك، المسلمين النازحين وآواهم في منزله،
ولاحقا أعطاهم قطعة أرض لبناء مسجد، وساهم الايزيدون مع المسلمين في بنائه، ومازال المسجد
قائماً لغاية اليوم”.
فلاح حسن (44 ينة) هو مختار لمنطقتين سكنيتين في مركز قضاء الشيخان هما(شيخ ماند)
و(شيخ شمس)، يقول أن هجرة الايزيديين لم تستثني بيتاً في الشيخان، فقد ِهاجر أربعة من إخوته
الى خارج البلاد والكثير من أقاربه.
ويشير إلى أن أكثر من 100 منزل مغلق الأبواب حالياً في الحيين السكنيين، بعد أن هاجر
أصحابها إلى أوروبا”، مبينا أن غالبيتهم هاجروا بعد العام 2014، في اشارة الى ما خلفه هجوم
تنظيم داعش من نتائج سلبية على حياة ووجود الايزيديين، بعد عمليات الخطف والقتل الجماعي التي
ارتكبها بحقهم.
ويرى حسن، أن معدلات الهجرة كانت صغيرة قبل هجوم داعش:”من العام 2003 إلى العام
2014 كانت معدلات هجرة السكان تتراوح بيبن 3% إلى 4%، لكن بعد سيطرة داعش على
سنجار وسهل نينوى وصلت نسبة المهاجرين والمتطلعين للهجرة الى 70%”.
ويلفت إلى أن معظم الايزيديين في الشيخان، خلال فترة سيطرة داعش على نينوى وما بعدها
“باعوا أراضيهم بأرخص الأثمان، على أثرها انتقلت عائلات من مكونات أخرى مثل الشبك والغجر
والكوران إلى القضاء وسكنت فيه”.
على الرغم من أن تنظيم داعش، لم يصل أبداً إلى مركز قضاء الشيخان، لأن قوات البيشمركة
الكردية مدعومة بقوات التحالف الدولي دافعت وبشراسة عن المنطقة، إلا أن الخوف والشك
الذي زرعه التنظيم في نفوس الايزيديين بما فيهم أهالي القضاء، كان كفيلا بتسريع معدلات
هجرتهم الى خارج البلاد.
يقول ناشطون مدنيون من المكون الايزيدي، أن الناس كانوا يخشون سقوط الشيخان مثل سنجار
بالكامل بايدي عناصر داعش، وان يذهب آلاف آخرون من أبناء هذه المناطق ضحايا لتصفيات
“التنظيم الإرهابي”، خاصة ان الكثير من أقارب ومعارف الإيزيديين في المنطقة وقعوا في سنجار
بين أيدي عناصر التنظيم. الذس وحتى بعد هزيمته لم يكن هناك تفاؤل أو أمل بحصول استقرار دائم.
يوضح فلاح حسن، المشهد بنحو تفصيلي:”قبل وصول داعش كان عدد العائلات المهاجرة يبلغ بضعة
عشرات سنوياً، لكن بعد العام 2014 وصل العدد إلى المئات. فقط في الحي الذي أعيش فيه، تم
عرض أكثر من 100 منزل للايجار وتركت منازل أخرى”.
يتابع:”إذا قمت بتعداد أسماء الذي هاجروا فلن أنتهي خلال ساعات، كان المنزل المقابل لداري
يضم 15 فردا هاجروا جميعهم، خمسة من إخوتي الآن يعيشون في خارج البلاد، اثنان منهم هاجرا
بين عامي 2007 و2009، والآخرون مع والدتي هاجروا بعد العام 2014″.
جغرافيا تضم الشيخان نواحي، اتروش، قصروك، كلكجي، باعدري، زلكان، وكل من قرية مهات
وبتنار التي يسكنها الإيزيديون، دوشيفان وتسقلا كلتاهما يسكنها المسلمون، وسروكانى التي يعيش
فيها أبناء الديانتين الإيزيدية والمسلمة.
يبلغ عدد سكان الشيخان، بما في ذلك النازحين، حوالي 130 ألف نسمة، يتواجد 40 الف في
وسط المدينة، والباقي في نواحيها وقراها، وهي إداريا تابعة لمحافظة نينوى، لكنها تدار فعليا
من محافظة دهوك منذ العام 2003، كونها منطقة متنازع عليها بين حكومتي اربيل وبغداد، ولم يحسم
مصيرها لغاية الآن.
ذلك التنازع الاداري بين الحكومتين، أثر على واقعها العمراني والخدمي، فظلت طوال سنوات
محرومة من الكثير من الخدمات، بينما تلقي كل حكومة مسؤولية ذلك إلى الأخرى.
الهجرة من الشيخان
تنقسم ظاهرة هجرة الإيزيديين في قضاء الشيخان إلى مراحل عدة، المرحلة التي شهدت اعلى
معدلات الهجرة كانت بعد سيطرة تنظيم داعش على سنجار واقترابه من الشيخان إثر سيطرته
على غالبية بلدات سهل نينوى التي تضم المسيحيين والايزيديين الى جانب الشبك والكرد المسلمين.
لكن حتى بعد القضاء على التنظيم وانتهاء خطره في 2017، لم تعد الا نسبة محدودة من العائلات
إلى منازلها في مجمل محافظة نينوى.
يؤكد ذلك المسؤول الايزيدي السابق هادي دوباني، قائلا “الهجرة الواضحة من الشيخان جرت على
مرحلتين، الأولى كانت بعد العام 2003 حيث ظلت النسبة منخفضة، بمعدل شاب واحد من كل
20 أسرة، لكن المرحلة الثانية بعد العام 2014 كانت مختلفة وشهدت هجرة واسعة ولن تجد عائلة
لم يهاجر احد من افرادها نتيجة المخاوف الأمنية والتدهور الاقتصادية وعدم اليقين بشأن مصيرهم”.
غالبية المهاجرين الايزيديين يقصدون دول أوربا الغربية، ألمانيا على وجه التحديد حيث توجد الجالية
الايزيدية الأكبر على مستوى العالم، بينما هجر بعض الايزيديين الشيخان باتجاه دهوك وضواحيها
أو إلى مدن أخرى تتوفر فيها فرص العمل ومستوى أفضل من الخدمات.
يقول محمد عارف، الذي درس الآثار في جامعة الموصل، ويدرس حاليا الدكتوراه في إحدى
الجامعات الأمريكية: “إذا قارنا عدد الإيزيديين في مركز الشيخان بين عامي 1900 و2014،
نلاحظ حجم التغيير السكاني الذي حصل وحجم التراجع في نسبتهم”.
يضيف الباحث:”في بداية القرن الماضي كانت نسبة الإيزيديين تتراوح بين 88 إلى 90 بالمئة
من نسبة السكان، بحسب الأرقام المتاحة لدينا، لكن نرى أن النسبة انخفضت مقارنة ببقية
المكونات بنحو الثلثين وبات الايزيديون يشكلون 30%، نتيجة النزوح والهجرة الى دول العالم”.
لماذا يهاجرون؟
يعلق هادي الدوباني، على أسباب ودوافع الهجرة: “كان لدي منزل في الشيخان وشقة في دهوك،
وكنت مديراً للوقف الإيزيدي، حياتنا كانت جيدة، لكن عندما جاء داعش تغير كل شيء، وانقلبت
الأمور”.
بينما كانت الحرب مستعرة مع تنظيم داعش، ووسط الأوضاع الصعبة إذ غالبية الايزيديين
تكسدوا في المخيمات، وكان يتم يوميا تناقل فظائع داعش وقصص الضحايا، فيما الكثيرون من
أبناء الشيخان يتركونها بعد بيع ممتلكاتهم بمبالغ متدنية بقصد الهجرة. ترك دوباني مدينته وانتقل
الى دهوك.
يقول :”كان ذلك في العام 2016 وشهدت هناك اثناء اقامتي، الهجرة التدريجية الحاصلة من
كردستان. منها انتقلت الى زاخو وأصيبت زوجتي بجلطة دماغية، ومع تدهور الأوضاع المالية
نتيجة تأخر دفع الرواتب واستقطاعها لنحو ثلاث سنوات، بعت ذهب زوجتي وقررت الهجرة”.
قرار غالبية الايزيديين بالهجرة، كان مدفوعا بجرائم داعش وعمليات خطف وقتل الإيزيديين
على الهوية، لكن كانت هناك عوامل حاسمة أخرى كالوضع الاقتصادي المتردي، ونقص
فرص العمل، وغياب العدالة الاجتماعية، وإهمال الشيخان من ناحية تقديم الخدمات، الى
جانب “انتهاج سياسة الأبواب المشرعة في المدينة لتصبح مجتمعاً منفتحاً دينياً وعرقياً،
وجعلها عاصمة للتعايش” من قبل مسؤولي القضاء، يقول ذلك ناشط ايزيدي فضل عدم ذكر
اسمه. يضيف:”خلق ذلك نوعا من الانزعاج لدى الايزيديين، الذين شعروا أنهم مواطنون
من الدرجة الثانية في القضاء”.
يضيف هادي دوباني، على ذلك جملة عوامل أخرى أسهمت في زيادة الهجرة، بينها العامل
السياسي، يقول: “عندما جاء الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الشيخان بعد العام 2003
وسيطر على ادارتها، اعتمد سياسة فاشلة، فمنح مناصب لأشخاص لم يكونوا مؤهلين، وقام بتقديم
البعض في المواقع الادارية وتجاهل آخرين ذوي كفاءة، مما ولد رد فعل سيء”.
ويتابع:”كان هنالك تمييز اجتماعي، فالشباب الإيزيديون ظلوا محرومين من فرص العمل والتعيين
في الوظائف ومن مسائل أخرى، ساهمت بمجملها في انزعاج الايزيديين، حتى أن لدى ايزيديي
الشيخان نكتة معروفة تقول أنهم يستخدمون كديكور للزينة فقط”.
تمييز إجتماعي
يرصد محمد عارف، الباحث المهتم بأوضاع المنطقة وتاريخها، نوعاً من التمييز والتهميش
الذي تعرض له الايزيديون في الشيخان والذي ساهم في هجرتهم، قائلا :”بعد اكتشاف
النفط وانتاجه في المنطقة من قبل شركات أجنبية، تم استقدام عاملين من خارج الشيخان
ومن مجتمعات ومكونات أخرى للعمل في هذه الشركات، وشعر السكان الأصليون
انهم مغدورون ومحرومون، حين لم يجدوا لأنفسهم مكانا في الفرص الواعدة للشركات العاملة”.
ويتابع الباحث :”بعد تحرير الموصل والقضاء على تنظيم داعش، استملكت الحكومة مساحات
من الأراضي تعود ملكيتها للإيزيديين مقابل تعويضات قليلة، ثم باعتها البلدية بأثمان باهظة
لأشخاص آخرين مثل الغجر والشبك وغيرهم من المكونات، وهو ما ساهم في زيادة نسبة
المكونات مقابل تراجع نسبة الايزيديين في مركز قضاء الشيخان”.
ويشير الى تكرر ذلك سابقا بتوزيع قطع أراض بعد العام 2005 بنحو يصفه بغير
العادل وبالوساطات والمحسوبيات، على حد تعبيره، ويواصل “وزعت بعضها على
كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني وعلى أشخاص آخرين مقربين منه”.
عدا الأمن والاقتصاد والتمييز المكوناتي، يورد هادي بابا شيخ، رئيس مكتب(بابا شيخ) وهو
أعلى منصب ديني لدى الإيزيدية، جملة عوامل أخرى، يرى أنها تقف وراء هجرة الايزيديين
وتناقص نسب وجودهم في الشيخان.
إذ يقول:”حالة الفوضى والتسيب في الدولة وعدم وجود ضمان لتطبيق القانون، هو السبب
الرئيسي للهجرة، لا وجود لحالة مشابه في كل العالم، أن تجد مختارين في نفس المنطقة والحي،
أحدهما يرجع الى الحكومة الاتحادية والثاني إلى حكومة إقليم كردستان أو أن تجد دائرتين للبلدية،
والزراعة، والتعليم، لو قامت مؤسسات الدولة بعملها بالشكل الصحيح، وكانت للدولة سلطة
قانونية وادارة جيدة، لما حدثت هذه الهجرة”.
ويضيف هادي بابا شيخ: “كثيراً ما نتحدث عن التعايش السلمي، في الحقيقة التعايش ليس
بحاجة لي أنا أو اليك أنت، بل هو مرتبط بشكل ما بقانون الدولة وتطبيقه، لكن للأسف الدولة
غير قادرة على ضمان تطبيق القانون. في شهر واحد فقط من العام 2024 وقعت أربع جرائم قتل
في الشيخان بسبب غياب الدولة والقانون”مشيراً بذلك إلى عدم شعور الإيزيديين بالأمان.
غياب العدالة في توزيع الوظائف
وينتقد رجل الدين بدوره غياب فرص العمل في وقت تواصل الشركات النفطية نشاطها
في وسط الشيخان: “في مرتفعات ناحية باعدرا التابعة لقضاء الشيخان تعمل الشركات النفطية،
أشخاص من خارج المنطقة يعملون فيها، في حين لا يزال شبابنا يعملون بالمعول والفأس”.
ويوجه سؤاله للمسؤولين عن المنطقة :”مع وجود كل هذه الشركات ضمن الحدود الادارية للقضاء،
ترى كم مدرسة ومستشفى شيدت هنا.. لقد تم إهمال مناطقنا بالكامل، اذهب إلى ناحية باعدرا
القريبة واسأل عن عدد الدوائر الحكومية فيها، ستجد أنه لم يتم الى الآن افتتاح دوائر المحكمة
والمياه والدفاع المدني والعديد من الدوائر الخدمية الأخرى، باعدرا ناحية فقط بالاسم، عندما
يرى الإيزيدي كل هذه الأمور، لايجد أمامه خيارا سوى الهجرة”.
ويورد هادي بابا شيخ، واقعة حصلت مع شرطي مرور ايزيدي، كمثال على غياب القانون،
يقول: “منذ ستة او سبعة أعوام جاء مسؤول حكومي كبير إلى الشيخان، كان ابنه يقود
السيارة وارتكب مخالفة في شارع محظور، فأوقف الشرطي السيارة وأخبره بالمخالفة. بدل
معالجة الأمر، استشاط الأب (المسؤول) غضباً واتصل من فوره بقسم مرور دهوك التي
أصدرت مذكرة اعتقال بحق الشرطي، على اثرها أصيبت والدته بسكتة دماغية وتوفيت
في ذات اليوم”.
يضيف:”بسبب ذلك الحادث هاجر نحو 50 شرطي مرور إيزيدي الى خارج البلاد، رأى
هؤلاء أنهم لا يستطيعون أداء واجبهم او نصرة موظف ايزيدي لم يرتكب أي خطأ ووقع
عليه ظلم بسبب التمييز الاجتماعي وغياب العدالة، هذه الحوادث تثير تساؤلات لدى الايزيديين
بشأن حياتهم ومستقبلهم”.
مديرة بلدية قضاء الشيخان، خالد نرمو، يرجع بدوره ارتفاع معدلات الهجرة الايزيدية خاصة
من الشيخان، الى تدهور الأمن في نينوى بعد العام 2003، ويقول ان الوضع الأمني في الموصل
حيث كان يعمل ويدرس عدد كبير من الايزيديين، تدهور عقب تغيير النظام السابق ومع ظهور
التنظيمات الارهابية.
ويضيف :”في أثرها قُتل الإيزيديون على هويتهم وانتمائهم الديني، في وقت فتحت الدول
الأوروبية وبسبب الوضع الخاص للإيزيديين أبوابها لهم ومنحتهم حق اللجوء، ثم جاء داعش
الذي خلق المزيد من المخاوف وتشكلت لدى الايزيديين قناعة بأن الحياة في العراق لم تعد
آمنة بالنسبة لهم، فحصلت موجات الهجرة الأكبر”.
وللاشارة الى مدى تأثير تلك الهجرة على التمثيل السكاني، يقول :”في ثمانينات القرن الماضي
بقضاء الشيخان كان الايزيديون يشكلون 70% من سكان المركز، والباقي مسلمون
ومسيحيون، وفي التسعينيات انخفضت النسبة إلى 60%، لكن منذ العام 2003 انقلب التمثيل كلياً،
فمن أصل 40 ألف نسمة في المدينة اليوم يشكل الايزيديون فقط 30%، والباقي مسلمون مع
عدد قليل من العائلات المسيحية”.
اهمال حكومي
لم تولِ الحكومة العراقية الاهتمام الكافي بالمناطق الإيزيدية، في ظل ضعف سلطة الايزيديين
داخل الحكومة الاتحادية كون غالبية الإيزيديين يعملون مع الأحزاب والقوى السياسية في إقليم
كردستان، هذا ما يؤكده مدير البلدية خالد نرمو، ويضيف :”تدهورت علاقات إقليم كردستان
مع الحكومة الاتحادية في العام 2012، عندما تمت مقاطعة الحكومة المحلية في نينوى، وجراء
ذلك تأثرت الشيخان وسنجار نتيجة عدم تنفيذ أية مشاريع خدمية فيها، وماتزال الحكومة الاتحادية
لا تتعامل بعدالة مع القضاء”وفقاً لتعبيره.
ويتابع:”بعد العام 2005 تم تنفيذ بعض مشاريع الطرق في القضاء، لكن هناك حاجة إلى فتح
طرق جديدة واصلاح القديمة، ومشاريع تطوير كبيرة، ففيها متنزهان وهناك حاجة للمزيد،
ولا يوجد غير مستشفى واحد لسكان المدينة والمناطق المحيطة بها في ظل نقص
الأطباء والأدوية والمستلزمات”.
ومن الجدير بالذر ان جزءاً من سكان الشيخان يعملون في مجال الزراعة، والبعض
موظفون حكوميون، ويعمل آخرون في مهن حرة مختلفة، مع انعدام المشاريع الصناعية
عدا مصنع صغير لانتاج زيت الزيتون، وهذا الواقع يجبر الأهالي على التوجه إلى دهوك
والمدن الأخرى للعمل.
كيف يمكن وقف الهجرة؟
يرى خالد نرمو، أن وقف الهجرة تتطلب عملية إعادة بناء للثقة لدى الفرد الإيزيدي، وهذا لا يمكن
أن يتشكل اذا لم يكن الإيزيديون في مفاصل السلطة.
ويقول:”على الرغم من أن حكومة إقليم كردستان لم تهمل هذا الجانب، لكن ينتظر الايزيديون المزيد،
مثلاً أن يكون قائممقام شيخان إيزيديا، فهل من المنطقي عدم وجود شخص ايزيدي مناسب لهذا
المنصب أو عدم قدرة شخص إيزيدي على إدارة القضاء”، مشددا على أهمية إعطاء القضاء خصوصية
وزيادة تنفيذ المشاريع الخدمية فيها، مع توفير فرص عمل للشباب، وفي الوقت نفسه حماية هويتهم
كأيزيديين وأقلية.
خلال العقدين المنصرمين، تولى ثلاثة شخصيات إزيدية منصب قائممقام قضاء الشيخان، ثم
تولاه ثلاثة مسلمون، والآن القائمقام هو شخص مسلم.
يقول جوهر علي بك نائب أمير الإيزيديين، أن حل مشكلة هجرة الايزيديين عن أرضهم،
تكمن في “توفير فرص العمل للشباب، وتنفيذ المشاريع الخدمية كبناء المستشفيات المتطورة
والمدارس والحدائق العامة، وتقديم المزيد من الدعم والمساعدة للإيزيديين مادياً ومعنويا”.
لكن قيدار نمر، من سكان الشيخان، ويعيش في ألمانيا منذ 16 سنة، يقول بأن الأمر لا يرتبط
بالوضع الاقتصادي والخدمي فقط، فهو يرى المسألة أكبر من ذلك، معربا عن قناعته بأن
“90% من الإيزيديين الذين يهاجرون لا يفعلون ذلك بسبب الفقر وبحثاً عن عمل، بل لأنهم
لا يشعرون بالأمان”.
ويوضح نمر، الذي يستبعد توقف الهجرة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة
:”قبل مجيئي إلى ألمانيا، كنت ضابطاً في الحكومة العراقية، لم تكن لدي أية مشاكل مالية، الشيء
الوحيد الذي جعلني أهاجر هو أنني شعرت أن هذا البلد ليس آمنا بالنسبة لنا”.
ويتابع:”هنالك العديد من الأمثلة التي تجعلنا كأيزيديين نشعر بعدم الأمان والراحة، على سبيل
المثال، ردود الفعل الكبيرة التي حصلت بشأن تصريحات قاسم ششو، قائد قوات الدفاع الإيزيدية
(اتهم بالإساء الى النبي محمد في كلمة ألقاها بقضاء سنجار قبل أشهر) رأينا في كردستان حينها
هجوما عنيفاً على كل الإيزيديين”، في اشارة الى الانقسامات المجتمعية على خلفية دينية والتي
تولدت نتيجة خطأ في التعبير جاء من مسؤول ايزيدي بشأن من يقف خلف فكر داعش.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة
اقرأ أيضاً: مصانع ومصافٍ للنفط في(كواشي)تلوث البيئة وتهدد الصحة العامة