تحقيقات

نظام الصرف الصحي في دهوك يلوث المياه الجوفية ويهدد الصحة العامة

أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية بدعم من CFI

كاروان نجيب محمد

محافظة دهوك في أقليم كردستان العراق، لاتملك شبكة لتصريف مياه الصرف الصحي

أو معالجتها، وتعتمد الوحدات السكنية على خزانات كونكريتية تعرف بـ(القساطل)

وهي تعمل على تمرير المياه الثقيلة لتتسرب إلى المياه الجوفية فتؤثر على جودتها.

كما أن بساتين عدة هناك، تستخدم تلك المياه، مما يؤدي إلى تدني في نوعية محاصيلها

من الخضراوات والفواكه.

 يؤكد المزارع، كيفي اسلام (34 سنة) هذا الأمر ويقول بأن :”هذه المياه أثرت سلبا على جودة

أراضينا ومحاصيلنا، وادت إلى تراجع مستمر في الإنتاجية مع تفشي الأمراض في المزروعات”.

هو يملك دومين من الأرض الزراعية قطعة في منطقة(دولبي) جنوب شرق دهوك، فيها بستان

فواكه وحقل لزراعة الخضروات، يعتقد بأن المياه التي ترد أرضه فضلاً عن أراض مجاورة في

 منطقته ومناطق(كفركي ومالطا السفلى وئالوكا وباختمي) من نهر دهوك وهشكه روو، تحمل معها

مياه الصرف الصحي (بما فيها المياه الثقيلة لدورات المياه) وأيضاً الملوثة بمخلفات المعامل

ومحال غسل السيارات والمستشفيات وغيرها.

ويلفت إلى أنه كان يحصد في السابق نحو سبعة صناديق من التين أسبوعياً على سبيل المثال،

لكنه مؤخراً لم يعد يحصد سوى عشرة صناديق أو أقل خلال الموسم بأكمله.

ويتابع:”هذا ينطبق على ثمار الرمان أيضاً في بستاني، وكذلك الخضار في حقلي، حتى أن أسعار

 محاصيلي منخفضة في السوق مقارنة بغيرها، لأنها ليست جيدة، وهذا ما يعرضني وكذلك الفلاحين

 الآخرين إلى خسائر، وكل هذا بسبب المياه الملوثة”.

المياه الملوثة غير المعالجة لاتهدد أرض كيفي، الزراعية فقط، بل يمتد أثرها وفقاً لمتخصصين

وناشطين بيئيين إلى المياه الجوفية وانسحاب ضررها بالتالي على الصحة العامة وتهدد سكان

محافظة دهوك البالغة أعدادهم نحو مليون وثمانمئة ألف نسمة وفقاً لدائرة إحصاء المحافظة.

هذا التحقيق يسلط الضوء على مياه الصرف الصحي التي تطرحها المنشآت السكنية والصناعية في

 دهوك، وكيفية تسربها واختلاطها بالمياه الجوفية، ولم لا تملك المحافظة وحدات لمعالجتها، وماهي

الحلول لمواجهة تلوث المياه بنحو عام.

تلوث

المهندس والناشط البيئي كاروان بامرني، يشير إلى مخاطر مياه الصرف الصحي غير

المعالجة على السكان، ويؤكد  ضرورة الاهتمام بمصادر المياه المتنوعة كالأنهار والينابيع

والمياه الجوفية، لافتاً إلى أن محافظة دهوك تعد من أغنى محافظات العراق في مصادر المياه.

لكنه في ذات الوقت يحذر من وجود قصور في فعالية إدارة هذه المياه، والتوسع غير المدروس

  في حفر الآبار، وبالتالي تقليص كميات المياه الجوفية، ويطالب باتخاذ إجراءات حازمة من قبل

 الجهات المعنية للمحافظة على نقاء وكميات المياه الجوفية، بما في ذلك الاستفادة من مياه الأمطار

 من خلال بناء السدود الخاصة بحجز مياه السيول في المناطق السهلية وعلى الانهر، ضمن ما

 يعرف بحصاد المياه.

ويشير بامرني إلى وجود مصادر مختلفة لتلوث المياه، من بينها مياه الصرف الصحي وخزاناتها

(القساطل)المرتبطة بدورات المياه، وعن ذلك يقول:”نظام القساطل هذا لايستند إلى أي أسس علمية”

ويبين:”هي عبارة عن خزانات خرسانية مدفونة تحت الأرض، وأرضياتها تكون ترابية للسماح بالسوائل

 بالتسرب وبقاء الفضلات” ثم يتساءل:”إلى أين تتسرب مياه الآلاف من هذه القساطل في دهوك؟ طبعا

إلى المياه الجوفية !”.

ويسلط المهندس كاروان، الضوء على القناة الخرسانية لنهر دهوك، التي شيدت بطول 4 كيلومتر من منطقة

 (كه لي دهوك) الممتد من سد دهوك شمالاً ليلتقي  بنهر(هشكه روو) عند نقطة (كانى خشمانا) في

 وسط مدينة دهوك، ويبين:”توجد على جانبي نهر دهوك ساقيتان تُستخدمان لتصريف المياه من سد

دهوك، وكذلك لري البساتين، وتصريف مياه الأمطار. أما في وسط  القناة فيوجد مجرى خرساني، يُستخدم

لتصريف مياه الصرف الصحي من المدينة الى نهر (هشكه روو).

ويقول بأن مجموعة من الفلاحين قاموا في الآونة الأخيرة بمد قنوات (أنابيب الماء)من مياه الصرف الصحي

 تلك، لغرض ري بساتينهم الواقعة على أطراف نهر دهوك وهشكه روو، بواسطة (المضخات)، وتعد هذه

 “الخطوة مخالفة لتعليمات الصحة، وتمثل مصدراً لاستخدام مياه ملوثة في زراعة الخضروات وتسويقها

 في الأسواق، إلا أن الدوائر المعنية لا تتخذ إجراءات ضد المخالفين”يقول بأسف.

ويلفت إلى أن مدينة دهوك، تحصل على احتياجاتها المائية من مصادر متعددة، أهمها مشروع ماء

(خراب ديم)الذي قال بانه يعتمد على مجرى نهر دجلة شمال غرب المدينة، بالإضافة إلى مصادر أخرى

 كالتي تزوده بها بحيرة سد دهوك وآبار عديدة في مركز المدينة.

ودعا إلى إنشاء وحدات معالجة لبقايا المخلفات ومياه الصرف الصحي في مدينة زاخو شمال دهوك،”قبل

 صبها في مجرى نهر الخابور الذي يصب بدوره بنهر دجلة، لأنها تؤثر على مياه بحيرة سد الموصل

 حيث مشروع ماء خراب ديم الذي يغذي مدينة دهوك”.

كما وينبه بامرني الى المخاطر المرتبطة بصرف مياه الصرف الصحي من المباني السكنية في قرية

(طرىَ قسروك) إلى سد دهوك، وعد ذلك مصدراص رئيسياً لتلوث مياه السد. ويضيف:”وأيضاً تصريف

 المياه الناتجة عن المقاهي والمطاعم المحيطة بسد دهوك في منطقة(طةلى دهوك)يفاقم المشكلة، مما يستدعي

 اتخاذ تدابير عاجلة من الجهات المعنية لحلها”.

بائع الخضار مهدي محمد محمد (54 سنة)، يملك مخزنا للخضار يعرف شعبياً بـ(العلوة) في منطقة

 مالطا السفلى بمدينة دهوك، يقول بأنه حريص على عرض أفضل الخضراوات والفواكه”أشتريها من

 مزارعين معروف عن بساتينهم أنها تروى بمياه نقية وغير ملوثة”.

ويؤكد بأن زبائنه يسألونه على الدوام إن كانت المحاصيل التي يبيعها مروية بمياه غير ملوثة، وبناءً على

 ذلك فهو لايشتري محاصيل الحقول والبساتين التي تعمد على مياه(هشكه روو)لأن زبائنه لايريدونها،

 ويضيف:”السوق مليء بها، لكنني لا أجلبها مطلقاً إلى علوتي، لأنها ذات جودة متدنية”.

وبناءً على تدني الجودة، تنخفض أسعار تلك المحاصيل، فيقول:”صندوق الجرجير المسقي بالمياه النقية

 على سبيل المثال يبلغ 10 آلاف دينار عراقي، بينما سعر صندوق الجرجير المسقي بمياه هشكه روو فيبلغ

 7 آلاف دينار”.  

(القساطل)

خبراء في مجال البيئة، يحذرون من مخاطر تشييد خزانات عشوائية لتجميع المياه الثقيلة الناتجة

من دورات المياه المنزلية، لأنها تتسرب وفقاً لتأكيداتهم، إلى المياه الجوفية فتلوثها. وشدد الأستاذ

الجامعي والخبير في مجال البيئة، إدريس مجيد، على ضرورة “وضع نظام معالجة فعّال لمعالجة للمياه

 الثقيلة التي تطرحها المنازل”.

ويصف بناء خزاناتها(القساطل)بأنها ممارسات غير مستدامة”لأنها تبنى مع ثغرات تؤدي الى تسرب

مواد ضارة كالبراز الى الطبقات الأرضية فتشكل بذلك المصدر الرئيس لتلوث المياه الجوفية” ويقول

 بأن الدول المتقدمة تعتمد أنظمة لمعالجة المياه المنزلية الثقيلة عبر تمريرها بمراحل متعددة “لتحسين

 نوعية المياه والمحافظة على البيئة”.

وينبه الأستاذ الجامعي إلى أن تلوث المياه قد وصل إلى الآبار الإرتوازية، ويبين:”قسم من الأبار القريبة

 من نهر(هشكه روو) داخل منطقة بروشكي، تم عزلها بسبب زيادة نسبة النترات في مياهها نتيجة

اختلاطها مع المياه الملوثة” ودعا الى ضرورة جعل الآبار بعيدة عن المجمعات السكنية وأمكنة تربية

 الحيوانات.

مدير الدائرة الغربية في بلدية دهوك المهندس ديار عبد الرحمن، ينفي وجود شروط قانونية لبناء

خزانات جمع مياه المراحيض(القساطل) لمنع تصريف تلك المياه إلى طبقات الأرض وتأثيرها على المياه

الجوفية. وذكر بأن التعليمات تقضي فقط بأن تبنى تلك الخزانات داخل الحدود المخصصة للبناء، وتجنب

 امتدادها إلى الأرصفة والشوارع.

أما بالنسبة لبناء وحدات لمعالجة المياه الثقيلة من قبل الأهالي، فيقول بأن هذا “لا يتم فرضه على مقدمي

 طلبات تراخيص البناء، إذ يُعتبر هذا الموضوع مسؤولية الجهات الأخرى مثل دائرة الماء والمجاري

والبيئة. وفي حال طلبت تلك الجهات إجراءات معينة في أي وقت، سيتم ضمها إلى شروط الترخيص”.

صلاح نجمان(64سنة) مواطن من محلة نزاركي بمدينة دهوك، يسكن مع اسرته في عمارة سكنية،

ويشتكي من واقع يصفه بالمزري منذ سنة 2011، بسبب مياه الصرف الصحي، ويوضح:”منذ أن سكنا

في هذه العمارة، ونحن نعاني من رائحة المياه الثقيلة الكريهة التي تخرج من خزانات الصرف الصحي المثبتة

مقابل شقتي التي لا يفصل بيننا وبينها سوى 20 متراً فقط، خاصة عندما يهب الهواء باتجاهنا وكذلك في

موسم الصيف”.

وعلى الرغم من النداءات المتكررة التي وجهها الى الجهات المعنية، وقيام صاحب المشروع بتغيير نوعية

الخزانات وزيادة أعدادها، إلا أن المشكلة ما زالت مستمرة كما يبين صلاح، الذي يؤكد بأن جيرانه

 يعانون من ذات المشكلة. وهذا ما دفع العديد منهم إلى عرض شققهم للبيع”هرباً من الرائحة الكريهة التي

 تخنقهم يومياً”على حد قوله.

ثم يتابع بحيرة:”نرى أطفالنا يعانون من روائح خزانات الصرف الصحي، ونحن قلقون من تأثيرها على

 صحتهم مستقبلاً”

بحسب المخطط الاساسي للمجاري في محافظة دهوك (Master Plan Of Sewerage In Duhok)،

 هناك خطط لإنشاء ثلاث وحدات معالجة لمياه الصرف الصحي (الخفيفة والثقيلة) “الا أنه وبسبب المشاكل

 المالية التي يعاني منها الأقليم منذ سنوات لم يتم تنفيذها” هذا ما يؤكده مدير دائرة الماء والمجاري في

دهوك، المهندس يوسف جانو.

ويذكر بأن هنالك نوعين اثنين من مياه الصرف الصحي التي تطرحها المنازل، الأول (مياه ثقيلة) وهي

ناتجة من المرافق الصحية (دورات المياه)، “تتسرب الى باطن الارض من خزانات-قساطل- ذات مواصفات

 تحددها الدوائر المعنية، ضمن حدود القطعة السكنية المخصصة لكل دار”. أما النوع الثاني، فهي المياه الخفيفة

(مياه المطابخ والحمامات والتنظيفات المنزلية الاخرى)، “تصرف الى المجاري العامة”.

وعن مياه الصرف الصحي التي تطرحها المطاعم  ومناطق غسل السيارات، يقول مدير الماء والمجاري بأنها

 لم تكن تعالج قبل سنة 2003، وتم بعد ذلك فرضت وحدات المعالجة على تلك المنشآت، والتي هي عبارة

عن”احواض صغيرة وفلاتر، لتصفية المياه لإعادة استخدامها”.

وفيما يخص المجمعات السكنية العمودية، فيؤكد المهندس جانو، بأن مياه الصرف الصحي فيها (الخفيفة

 والثقيلة) يتم تجميعها في وحدة معالجة المياه الثقيلة ، وتتم معالجتها حسب مواصفات وقوانين محددة،

ثم تصرف الى المجاري العامة للمدينة.

 أما المياه الناتجة عن المصانع والمنشآت الصناعية، فيشدد ناشطون ومختصون بيئيون قابلهم معد التحقيق،

على أنها لا تُعالج، ويؤكدون أنه يفترض فرز الكيماوية منها عن غيرها، ومن ثم تمريرها للمجاري العامة لكن

هذا لايحدث من الناحية العملية في دهوك.

معد التحقيق حصل على معلومات من دائرة بيئة دهوك تفيد بأن ليس جميع الوحدات السكنية العمودية فيها

وحدات معالجة، إذ أنها تقسم إلى ثلاث فئات، الأولى، تملكها بالفعل وتعمل بكفاءة، أما الثانية فتمضم تلك

 الوحدات لكنها معطلة أو تعمل بنحو جزئي، بينما لاتملك الفئة الثالثة أية وحدات لمعالجة المياه الثقيلة،

وعلم من مصدر في الدائرة، أن إجراءات قانونية اتخذت ضد أصحاب مشاريع الفئتين الأخيرتين.

الأستاذ الجامعي المتخصص في مجال البيئة د. نجم الدين عزالدين، يقول بأنه أجرى دراسة عن طرق التخلص

 من الأدوية، توصل فيها إلى أن الكثير من الأسر تتخلص من الأدوية السائلة والصلبة  كالحبوب، عبر رميها في

 “المراحيض ومجاري مياه الصرف الصحي المنزلية”.

وأكد بأن تأثيرات سلبية يصفها بالخطيرة تنشأ عن ذلك، ولاسيما بالنسبة للآبار القريبة من التجمعات السكنية،

 ويذكر أنه وبسبب اختلاط المياه المستهلكة جراء الفعاليات البشرية فأن:”مياه غالبية الآبار التي تُستخدم

 للشرب لا تتمتع بالجودة العالية والصحية مما يشكل تحدياً كبيراً يتطلب تدخل الحكومة والجهات المختصة

لحماية مياه الشرب العذبة”.

وفقاً لدائرة الإعلام والمعلومات لحكومة إقليم كردستان العراق، فإنه في سنة 2019 أُنشئت محطة لمعالجة

 المياه الثقيلة في منطقة(فايدة)جنوب غرب دهوك، على مساحة تبلغ 20 دونماً وبتكلفة قدرها مليون

دولار. وأن هذه المحطة تعد الأكبر في معالجة المياه الثقيلة (الصرف الصحي) في إقليم كردستان.

إذ تستقبل شهرياً ما يصل إلى 70 ألف متر مكعب من المياه الثقيلة، ويبلغ إنتاجها اليومي 300 متر مكعب من

المياه المعالجة. تمتلك المحطة بين 30 إلى 40 صهريجاً لتجميع المياه الثقيلة يومياً من مناطق مختلفة ضمن

حدود محافظة دهوك، وتتم معالجتها بأسلوب “علمي وعلى مراحل عدة بحيث يمكن إعادة استخدام المياه

 المعالجة للماشية والزراعة”.

لكن من الناحية العملية ومن خلال مقابلات أجراها معد التحقيق مع مسؤولين في البلدية والماء والمجاري

 والبيئة، فأن وحدة المعالجة هذه غير كافية، مقابل كميات المياه الثقيلة الكبيرة التي تطرحها محافظة دهوك

 بكل قطاعاتها السكنية والصناعية.

كوهدار محمد (57 سنة)من سكان دهوك، يعيش مع عائلته المؤلفة من ستة أفراد في منزل يتألف

 من طابق واحد. يقول: “لقد مضت حوالي 16 سنة على شرائي لهذا المنزل، ولم أضطر حتى الآن

 للاستعانة بصهاريج نقل مياه الصرف الصحي الثقيلة ولو لمرة واحدة!”. ويتابع:”لا أعلم إلى أين تذهب،

 ربما تتسرب إلى مكان ما، المهم أنني لا أضطر لدفع مبالغ مالية من أجل نزح مياه القسطل، هذا مكلف

 للغاية!”.

معد التحقيق قام بجولة في مناطق سكنية عدة داخل مدينة دهوك، ووجد بأن ما قاله كوهدار، يردده غالبية

أصحاب المنازل الذين قابلهم، إذ أنهم لايفرغون خزانات منازلهم للمياه الثقيلة (القساطل) وقلة قليلة هم

 الذين يفعلون ذلك بسبب أن خزاناتهم التي بأرضيات كونكريتية لاتسمح بتسرب المياه، في حين ان

غالبية الخزانات الأخرى تكون بأرضية ترابية تسمح بتمرير السوائل.

وللتأكد من هذا الجانب بنحو أكبر، قابل معد التحقيق، صاحب صهريج لنقل المياه الثقيلة أو ما تعرف

 في دهوك بـ(تانكر النزح)، شاب بعمر 25 سنة، طلب عدم ذكر أسمه، قال بأنه يعمل في مجال نقل

المياه الثقيلة منذ نحو خمس سنوات، وأن والده كان يعمل قبله بذات المهنة على مدى عقدين كاملين.

يقول:”نقوم بنزح المياه الثقيلة من القساطل من مناطق مختلفة في محافظة دهوك، إلى محطة المعالجة

 في منطقة فايدة، وفي بعض الأحيان ننقلها إلى مناطق زراعية تبعد قليلاً عن منطقتي ئالوكا وسيجي

في دهوك”. وأوضح أنه يعمل بنحو مستقل ولا علاقة له بأية دائرة تابعة للدولة.

وأشار إلى أن كل صهريج ينقل المياه الثقيلة المنزوحة حوالي ست مرات يومياً، وأن عدد الصهاريج

 في محافظة دهوك لا يتجاوز عشرة صهاريج. وعن أجور النقل والتي يدفعها أصحاب المنازل او

المنشأت فيقول بانها تتراوح بين 50 إلى 60 ألف دينار(38-45 دولار) عن كل مرة.

تلوث المياه الجوفية

مسؤول قسم التخطيط في دائرة المياه الجوفية في دهوك، الجيولوجي ناجي إبراهيم حيدر، يقول  بأن عدد

 الآبار في محافظة دهوك تبلغ 4800 بئراً، ويتوقع ان تكون هنالك مئتا بئر أخرى ضمن إدارة قضاء زاخو

 التابع لدهوك، وذكر أن 8% من مواطني محافظة دهوك يعتمدون على مياه الشرب من الآبار، و95%

 منهم يعتمدون على مشروع ماء(خراب ديم) الذي يحصل على امداداته من المياه من نهر دجلة وبحيرة

 سد الموصل.

ويؤكد بأن لمياه الصرف الصحي تأثيراً بالغاً ومباشراً على نوعية المياه الجوفية، وأن 100 بئر سبق وأن

حفرت في مركز مدينة دهوك، تم الغاء العديد منها بسبب ذلك”إذ كانت مياهها ملوثة وغير صالحة للشرب”.

ويشير إلى دليل آخر على تأثير مياه الصرف الصحي على المياه الجوفية بقوله:”لدينا بثر(بئر) ماء في

 دائرتنا، وتظهر قياساتنا أن منسوب المياه فيها لايقل حتى في المواسم التي تقل فيها الأمطار، وهذا يعني

 بأنها معرضة لمياه الصرف الصحي الملوثة التي تعوض الكميات المفقودة منها”.

وينبه مسؤول قسم التخطيط، إلى أن بناء وحدات سكنية في أطراف وعلى مشارف مدينة دهوك، يؤدي

 إلى “تسرب المياه الملوثة من القساطل غير الخرسانية إلى المياه الجوفية، مما يسبب تلوثها”. وحذر من

 أن توسع الحركة العمرانية وزيادة عدد السكان مع التغيرات المناخية وقلة الأمطار ستؤثر سلباً على مستقبل

 المياه الجوفية.

وأن انخفاض منسوب مياه بحيرة سد الموصل ومجرى نهر دجلة سيجبر الحكومة المحلية في دهوك:”

على الاعتماد على الآبار المائية، لتلبية حاجة المواطنين، ولهذا يجب العمل على تجنيب هذه الآبار من

 مصادر التلوث، وذلك لن يتم دون معالجة علمية صحيح لمياه الصرف الصحي”.

ويذكر أن معدل منسوب المياه الجوفية في دهوك يتراوح بين 100 إلى 150 متر تقريباً: “وعند إنشاء

المشاريع السكنية أو الصناعية، لا يتم إعلامنا، بينما دائرتنا تأخذ رأي الجهات المعنية عند حفرها لأي

 بئر ماء”.

 وناشد الحكومة بضرورة الاعتماد على سياسة بناء السدود والاعتماد على مصادر المياه السطحية

 للاستخدامات الزراعية والري للحفاظ على المياه الجوفية. كما دعا إلى إعلام دائرته عند تخصيص

 مكان جديد لتجميع النفايات”لدراسة مدى صلاحية المنطقة ومنع تسببها بتلوث المياه الجوفية”.

وطالب ببناء وحدات معالجة مياه الصرف الصحي لمنع صبها في نهر هشكه روو ونهر دهوك

وبالنتيجة وصولها إلى بحيرة سد الموصل. وأكد  ضرورة استشارة دائرته عند  بناء (القساطل)

 للمشاريع السكنية الكبيرة “لضمان البناء السليم”.

مدير دائرة الماء في دهوك، المهندس المدني فكير أحمد علي، يقول بأن مدينة دهوك تعتمد على

 مصدر آخر من المياه السطحية فضلاُ عن مشروع ماء خراب ديم، وهي مياه بحيرة سد دهوك،

ولا سيما في مواسم الأمطار الغزيرة، إذ يتم “يتم تزويد المواطنين بهذه المياه بنسبة 10% بعد

 فحصها والتأكد من صلاحيتها للشرب”.

أما فيما يخص المياه الجوفية فيبين المهندس فكير، أن طبيعة دهوك الجغرافية الجبلية، المكونة من

 ارتفاعات وانخفاضات، “تعرقل إنشاء خزان وشبكة مياه واحدة لتزويد جميع السكان بشكل عادل،

لذلك يتم اللجوء إلى حفر آبار لتوفير مياه الشرب”. أما بالنسبة للوحدات السكنية العمودية (الشقق)، فإن

دائرته تقترح على أصحاب تلك المشاريع بحفر آبار مياه “نظراً لصعوبة تزويدها عن طريق القناة أو

الخزان الرئيسي”.

ويضيف: “لدينا مختبرات نقوم بفحص جودة المياه فيها شهريا، ونحن نتعامل في دائرتنا مع 161

بئر ماء، 53 منها مخصصة لمركز مدينة دهوك. وقد تم تسليم 27 من هذه الآبار التي زادت نسبة النترات

 فيها، إلى بلدية دهوك لاستخدام مياهها في ري الحدائق والمناطق الخضراء الداخلية”. ويستدرك:”نسبة

النترات يجب أن لا تتجاوز 50 مليغراما في لتر واحد من الماء”.

الرقابة ومعاقبة المخالفين

مديرية بيئة دهوك أكدت عزمها على محاسبة المتسببين في تلويث البيئة، سواء كانوا أفراداً أو

 مؤسسات أو جهات تجارية. وذلك بأتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة واحالة المخالفين إلى القضاء.

هذا ما أفاد به المهندس دلشاد عبد الرحمن، مدير دائرة بيئة دهوك.

إذ يقول إن:”من بين أولويات المديرية مراقبة جودة المياه، سواء من خلال زيارات فرق المتابعة

 أو استجابةً لشكاوى المواطنين أو المعلومات التي تصلنا عن طريق الجهات ذات الصلة، مثل

البلدية ودائرة الماء والمجاري” ويوضح الآلية التي تجري فيها المراقبة:”تشتمل على جلب عينات

 للتحليل في المختبر، والاعتماد على الفحصين الرئيسيين BOD-COD، وفي حال تجاوزت النتائج

 المستويات المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية، تتخذ المديرية الإجراءات الإدارية والقانونية بحق

 المخالفين”.

مسؤول الشعبة القانونية في دائرة بيئة دهوك، الحقوقي شيروان أكرم، يقول بأن دائرته تقوم بحملات

متابعة للتجمعات السكانية العمودية التي لاتلتزم بشروط معالجة مياه الصرف الصحي منذ سنة 2017،

 وأن هنالك مجمعات لا تمتلك وحدات للمعالجة أو تكون غير كفوءة، فيؤدي ذلك إلى تصريف مياه ملوثة.

وذكر أن في البداية توجه إنذارات لمعالجة المشكلة خلال فترة زمنية محددة، وفي حال عدم القيام بذلك”يتم

فرض غرامات مالية على المخالفين”، وأكد بأن الإجراءات المتخذة، قد توسعت في السنوات

(2020-2021-2022) لتشمل أقضية محافظة دهوك، وأن غرامات مالية تم فرضها على مجمعات

سكنية في مراكز مدن دهوك وعقرة وزاخو وسميل. وبين بأن قيمة الغرامات المفروضة تتراوح

 ببين 3 إلى 8 مليون دينار عراقي (2283 إلى 6089 دولار) وأن دائرته  مستمرة في اتخاذ

الإجراءات القانونية وفقاً لتعليمات هيئة حماية وتحسين البيئة المرقمة (2) لسنة 2023 المعدلة.

ويقول أيضاً:”منذ سنة 2023 بدأت الإجراءات القانونية تتخذ عبر المحاكم، إذ أقيمت دعاوى قضائية

عديدة ضد أصحاب المجمعات السكنية المخالفة للقانون، وتم تغريمهم خلال الجلسة الأولى من كل محاكمة”.

مدير قسم الرقابة والسلامة الغذائية في مديرية شؤون الوقاية الصحية في دهوك، المهندس دلشاد

عز الدين موسى، ذكر بأن دائرته تتخذ الإجراءات القانونية بحق المزارعين الذين يستخدمون المياه

الملوثة في الري “فقط خلال مواسم انتشار مرض الكوليرا”.

 وأن فرقاً تابعة لدائرته سبق وأن “قامت بإتلاف العديد من المزارع بالتنسيق مع مديرية البلدية

ودائرة الماء ومحافظة دهوك”. ويقر بأن أي إجراءات لاتتخذ في الحالات الاعتيادية ضد المزارعين

الذين يستخدمون مياهً ملوثة في سقي مزروعاتهم “رغم تسويقها”.

عماد ناجي(43 سنة)موظف حكومي يقيم في حي الاسرى بمدينة دهوك، يقول بأن من مسؤولية الدولة

أن تمنع المحاصيل الزراعية المسقية بمياه ملوثة من السوق: “من أين ساعرف بأن ما اشتريه من الخضر

 والفواكه مروية بمياه ملوثة أم نقية، وهل ينبغي علي أن أسأل البائع عن ذلك في كل مرة أشتري فيها

 شيئاً منها؟”.

وهو يرى أيضاً بأن مسألة مياه الصرف الصحي، تتعلق بالدولة، ويبين وجهة نظره:”في دهوك، ألزمت

 السلطات المواطنين الذين يبنون منازل بقياسات معينة، على أن يكون هنالك مرآب ضمن مساحة البناء،

بسبب قلة المرائب في المدينة ذات الطبيعة الجبلية، يمكنها بالقياس على ذلك، أن تضع شروطاً خاصة

تتعلق بمياه الصرف الصحي كذلك”.

وقال أيضاً:” هنالك مشكلة في مجاري مياه تصريف الامطار كذلك في المدينة، وفي موسم الامطار

والفيضانات ولاسيما الربيع، تطفح مياه الصرف الصحي وتتوزع في الشوارع وتدخل المنازل”.

 ثم قال بشيء من الخيبة:”كانت دهوك وحتى قبل سنوات قليلة ذات هواء ومياه نقيين، الآن نعاني من

 تلوث الهواء والماء، ليس فقط بسبب مياه الصرف الصحي، بل أيضاً بسبب معامل تكرير النفط غربي

 المدينة، ومكبات النفايات هناك، فضلاً عن التغيير المناخي الذي بات يؤثر على كل شيء حولنا”.

  • أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية وبدعم من CFI

اقرأ أيضا: في البصرة: حقول النفط ومخلفات الحروب وراء ارتفاع معدلات الأصابة بالسرطان

Back to top button