ماهي سبل حماية الطالبات في مدارس المخيمات وقضاء سنجار من الإستغلال؟
فريق نينوى الاستقصائي
أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية
للكشف والمتابعة
العديد من الفتيات الإيزيديات في مدارس مخيمات النزوح او قضاء سنجار تعرضن لإبتزاز
واستغلال جنسيين، مما دفع بعضهن للتوقف عن إكمال تعليمهن وأخريات عشن ظروفاً وصراعاً
نفسياً صعباً ليقعن ضحايا في شباك مدرسين منحرفين يستغلون ظروفهن الحياتية، كل هذا، يكشفه
تحقيق فريق نينوى الإستقصائي التابع لشبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية.
إقرار بالذنب
احد أعضاء الفريق تواصل مع مدرس في واحدة من المخيمات، اتهمته طالبة بالتحرش الجنسي بها،
ودعمت كلامها بصور من رسائل كان يرسلها إليها عبر تطبيق واتساب. المدرس رفض بشدة في
البداية أن يكون متورطاً بذلك، ثم رضخ وأقر بما فعله، وقال بعد تردد:”أدرك بأنني ارتكبت خطأً
جسيماً بحق الطالبة وبحق وظيفتي. لم يكن من المفترض أن يحدث هذا أبداً”، قال ذلك وعيناه تدوران
في محجريهما يميناً ويساراً.
أشعل سيكارته ومج منها نفساً عميقاً قبل أن يطلق الدخان من أنفه وتابع:”أرى الحقيقة بوضوح تام الآن،
لا أستطيع سوى أن أطلب المغفرة وأتعهد بأن لا يتكرر هذا أبداً”.
لا ينكر المدرس بأن غياب الرقابة في المدرسة، وشعوره بأن الفتاة يمكن أن تكون فريسة سهلة لنزواته
لعلمه بظروف حياتها الاجتماعية وعدم وجود رجل يمكن أن تستند اليه، هي من بين الأشياء التي جعلته
يتمادى معها.
إقراره واعلان شعوره بالندم، لم يكونا كافيين لإقناع الفتاة بالعودة إلى مقعد الدراسة، ليصبح سبباً في تغيير
مسارها الحياتي، مع أن الباحث الأجتماعي سلوان عزيز، يقول عن قصة الفتاة بأنها كانت محظوظة
تماما وقوية، برفضها أولاً ما أراده منها المدرس الذي وصفه بالمريض نفسياً.
ويذكر بأن هنالك فتيات غيرها رضخن بالفعل، وكان ذلك سبباً في تدمير حياتهن، ويقول:”إما وجدن
أنفسهم في النهاية أمام فضيحة وقُتلن غسلاً للعار أو أصبحن هدفاً للمجتمع الذي يحاسبهن ولايحاسب
من يبتزهن، وقسم منهن أصبحن بنات ليل ولو سألنا الفتيات في الملاهي الليلية عن ماضيهن سنجد أن
معظمهن وقعن بأيدي شخص مثل مدرس الرياضيات وهن في بداية مشوارهن بالحياة”.
ويستدرك بأسف:”المجتمع لن يتعامل مطلقا مع الفتاة التي تبتز جنسياً على أنها ضحية، بل على أنها مدانة”.
وضع مسكوت عنه
أعضاء فريق التحقيق حاولوا الحصول على احصائيات تتعلق بالاستغلال الجنسي من مديريتي التربية الكردية
والعربية في قضاء سنجار(إحداهما تابعة لأقليم كردستان والأخرى تابعة للحكومة المركزية في بغداد)،
إلا أنهم لم يحصلوا على إجابات رسمية من المسؤولين فيهما بهذا الخصوص.
وتبين من خلال حوارات أجروها مع موظفين فيهما، أن إدارات المدارس لم تقم بتوثيق الشكاوى التي
وصلتهم بشأن الاستغلال الجنسي ولم ترفعها إلى مراجعها وبقيت حبيسة أدراج مكاتبهم، وهذا النقص
في التوثيق وإخفاء المعلومات كان التحدي الأبرز الذي واجهه معد التحقيق وهو بصدد تتبع ما يمكن
وصفه بظاهرة الاستغلال الجنسي في المدارس بقضاء سنجار والمخيمات.
فيما يتعلق بأعداد الطلاب العائدين إلى مقاعد الدراسة في سنجار، تظهر احصائية صادرة عن قسم
التربية للدراسة الكردية في نهاية العام الدراسي 2023/2024، عودة ما يقرب من 13,500 طالب
وطالبة، وهم من أصل 33,500 طالب وطالبة لمختلف المراحل الأولية والإعدادية، أي بلغت نسبة
العائدين 40% في حين ظل نحو 20,000 طالب وطالبة غير قادرين على العودة.
أما الإحصائيات المتعلقة بقسم التربية للدراسة العربية، فتشير إلى أن عدد الطلاب العائدين إلى المدارس
قد بلغ نحو 32,000 طالب وطالبة، وهم من أصل 72ألفاً أي ان العائدين لايشكلون سوى 44% فقط
وبقي نحو 40,000 طالب وطالبة بعيدين عن مقاعد الدراسة.
مشكلة النزوح وتداعيات الفقر، ليسا العائقين الوحيدين أمام عودة الطلاب لمواصلة الدراسة في سنجار،
وتحديداً الطالبات، بل هنالك ثمة سبب آخر يتعلق بعدم شعورهن بالأمن والاستقرار في المدارس بسبب
ما يتعرضن له من مضايقات أخطرها تلك التي يكون مصدرها الكادر التدريسي.
هذا ما يفصح عنه الباحث الإجتماعي خليل زياد، الذي يؤكد بأن عدم الاستقرار الإداري وتعدد السلطات
في سنجار “أفرزت ظواهر سلبية لم تكن موجودة هناك قبل 2014، ومنها ظاهرة التحرش والاستغلال
الجنسي للطالبات في المدارس”.
ويعني تعدد السلطات الذي يشير إليه الباحث، نشوء سلطتين محليتين في سنجار بعد تحريرها من داعش
سنة 2015، واحدة موالية لأقليم كردستان والأخرى للحكومة المركزية في بغداد.
الباحث خليل زياد، يقول بأن الطالبات العائدات من رحلة النزوح المليئة بـ”المآسي”على حد وصفه، وقبلها
“ما تعرضن اليه هن وذويهم من انتهاكات وجرائم بأيدي عناصر داعش جعلهن غير واثقات بمحيطهن
ويعشن أصلا في قلق إجتماعي وخوف من تكرار التجارب السابقة، وبدلاً من أن تمنح المدارس بعضهن
الآمان، أصبحن يشعرن بالخوف والقلق ووقعن تحت ضغط ابتزاز قلة من غير التربويين، وكانوا سببا
في تركهن مقاعد الدراسة”.
في المدرسة الاعدادية (م.س) بمركز قضاء سنجار للدراسة العربية، كانت علياء، التي انهت دراستها فيها
سنة 2023، قد واجهت تجربة قاسية مع أحد المدرسين. تقول عن ذلك “لم أكن أتوقع أن يأتي هذا السلوك
من أستاذ مادة الفيزياء، كان يلاطفني بكلمات تحمل نية غير نظيفة وكنت أرفض دائما، لكن الأمور
تصاعدت عندما طلب مني الدخول في علاقة معه مقابل النجاح في مادته.”
تفكر قليلا، ثم تتابع:”قال لي بأنني لن أنجح في مادته إلا إذا بادلته مشاعره وصرت عشيقة له، جعلني
ذلك أشعر بالعجز، ووقعت تحت ضغط نفسي كبير أثر كثيراً على دراستي” غير أن مقاومتها لم تستمر
طويلاً إذ أنها وقفت أمام خيارين، إما أن تمنحه جسدها أو تخسر سنتها.
تضيف بإنكسار:”الخوف وربما وضعي النفسي كانا سبب رضوخي له، فسلمته نفسي:”كان ذلك قبل
امتحانات نصف السنة اي في شهر كانون الثاني/ يناير2023، وكانت تخشى أن لا تنجح و تمنع
من الدخول الى الامتحانات الوزارية في صيف 2023.
وتضيف:”فعلت ذلك لكي أنجح، ومن يومها لم أعد أشعر بأنني أنا، فجزء مني قد مات”، نجحت علياء
لكنها تعتقد بأنها خسرت نفسها، وتقول بأنها لم تعد قادرة على النظر إلى نفسها في المرآة”دون أن أتذكر
بألم ما فعله بي” تقول بغضب.
وتشير إلى أنها تفصح عن ذلك بعد مرور سنة، لأنها توصلت إلى قناعة مفادها، أن من الضروري
على الفتاة أن “تتحدث عما تتعرض له وأن تفضح من يستغلونها”.
وتتابع:”أنا على علم بعشر فتيات أخريات من مدرستي مررن بتجربتي ذاتها، بينهن من رضخن
مثلي وأخريات رفضن حتى النهاية، لهذا أريد من أي فتاة تقع بنفس موقفي أن تبلغ إدارة المدرسة أو
أهلها قبل فوات الأوان”.
ظاهرة منتشرة
مدير اعدادية سنوني، في ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار، سيدو الأحمدي، يعبر عن قلقه العميق
إزاء ما يصفها بظاهرة استغلال الثقة داخل المؤسسات التعليمية. ويقول:”هذه الظاهرة تشكل تهديداً كبيراً
على سلامة ورفاهية الطلاب في أي مؤسسة تعليمية، قعندما يستغل فرد ما الثقة الممنوحة له، فإنه لا يؤذي
ضحيته فقط، بل يضر المجتمع التعليمي ككل”.
ويشير الأحمدي، إلى أهمية التوعية المستمرة داخل المدارس ويبين:“يجب أن نركز على تعليم الطلاب حقوقهم
وكيفية التعرف على السلوك غير اللائق، مهم جدا ان يكون لديهم صوت وأن يشعروا بالأمان للإبلاغ
عن أي تجاوزات”.
كما شدد على ضرورة وجود سياسات صارمة لمواجهة مثل هذه الحوادث( ويقصد بها الأستغلال الجنسي
للطالبات). “لا يمكن التسامح مع أي شكل من أشكال الاستغلال، يجب أن تكون هناك تحقيقات شفافة ومحاسبة
فورية للأفراد المتورطين في مثل هذه الأفعال، ومشاركة المجتمع والسطات المحلية في معالجة هذه القضايا”.
تدريسيٌ من قضاء سنجار، لديه صفة إدارية هي معاون مدير لمدرسة اعدادية، طلب عدم ذكر أسمه، يؤكد
انتشار ظاهرة الاستغلال والتحرش الجنسيين بالطالبات في مدارس المنطقة، ويقول:”للأسف، هنالك العديد من
الشكاوى التي تلقيناها من طالبات وأولياء الأمور، وبلغ علمنا وقوع حوادث عديدة كذلك”، ويستدرك:”هذه
الحوادث بمثابة جرس إنذار على واقع مقلق يتطلب منا اتخاذ خطوات أكثر جدية وحزما”.
ويقول بأن في مدرسته يتم التشديد على أهمية تجنب الإنتهاكات بحق الطلاب أياً كان شكلها، ويضيف:”كما
نعمل على توعية الطلاب والمعلمين في حد سواء،” لكنه يعود ليقر:”الحقيقة المؤسفة هي أننا نفتقر إلى
إجراءات صارمة وفعالة للتعامل مع حالات أو ظاهرة الإستغلال الجنسي، فهناك فجوة كبيرة بين ما يفترض
أن يكون عليه الوضع في مدارس الفتيات وما يحدث فعلياً على أرض الواقع.”
ويعتقد معاون المدير، بأن الوضع الراهن يتطلب “استجابة أكثر قوة من السلطات التعليمية”. ويوضح:”يجب
أن نتحرك سريعا لتوفير بيئة تعليمية آمنة” ويجد أن من دون تلك الإجراءات ستستمر الإنتهاكات و”ستظل ثقة
الطلاب وأولياء الأمور بالنظام التعليمي مهزوزة”. ودعا كذلك إلى العمل إلى تحسين التواصل بين المدارس
والجهات المعنية، والتعاون مع السلطات المحلية والمجتمع.
مدرسون استغلاليون
عاصي، معلم ابتدائية في مدرسة(س. ش )بناحية سنوني، يرى أن المشكلة قد تكون أكثر تعقيداً
مما تبدو عليه في الظاهر على حد وصفه ويقول: “نعم، نحن جميعنا ضد هذه الأفعال المشينة، لكن
ينبغي أن نكون واقعيين ونقر بأن هناك جانباً آخر لهذه القصة. بعض الطالبات، للأسف، يحاولن التقرب
من المعلمين بأساليب معينة”.
ويوضح:”قد تتضمن إعطاء إيحاءات للمعلمين بهدف كسب رضاهم أو تعاطفهم، فبعضهن يسعين
للحصول على درجات أفضل أو مساعدة إضافية من خلال التقرب من المعلمين. هذا السلوك يمكن
أن يخلق مواقف معقدة ويؤدي إلى سوء فهم أو استغلال من قبل بعض المعلمين”.
وعلى الرغم من اقرار المعلم عاصي، بأن ذلك ليس مبرراً لقيام المعلمين والمدرسين باستغلال الطالبات
أو التحرش بهن جنسياً، إلا أنه يصر على ضرورة توجيه جهود التوعية نحو جميع الأطراف بلا استثناء
:”علينا أن نكون حذرين في كيفية تعاملنا مع هذه القضايا، التعليم والتوعية يجب أن يكونا موجهين للجميع
– الطلاب والمعلمين في حد سواء – لضمان تحييد هذه السلوكيات غير اللائقة”.
ويضيف إلى ذلك بمزيد من التوضيح:”يفترض أن يكون هنالك حوار مفتوح بشأن هذا الموضوع بين جميع
الأطراف المعنية، وعدم تجاهله، وعلى المعلمين أن يكونوا على دراية بكيفية التعامل مع مثل هذه المواقف
بحكمة ومهنية، وأن يعرف الطلاب حدود السلوك المقبول في إطار العلاقات التعليمية”.
ولا يتفق الباحث والكاتب سلوان عبد العزيز، مع ما ذهب إليه المعلم عاصي، بتحميل بعض الفتيات مسؤولية
مايجري ضدهن من ممارسات وصفها بغير الأخلاقية في المدراس بسنجار، ويقول:”نحن نتحدث هنا
عن فتيات قاصرات، والمعلمون والمدرسون هم بمثابة الآباء والأشقاء الأكبر، وحتى لو مالت الفتاة إلى
معلمها بسبب حداثة سنها وعدم نضجها ووقوعها تحت تأثير المراهقة، فهذا ليس مبرراً للمعلم أو المدرس
ليستغل ذلك، إنها جريمة يجب أن يلقى بسببها في السجن ويطرد من وظيفته بنحو نهائي”.
ويجد أن الحل الأمثل للمشكلة يكمن في اعتماد كوادر تعليمية نسوية لتعليم البنات ودعا وزارة التربية الى
المساعدة في ذلك من خلال تعيين معلمات ومدرسات لمدارس حتى وإن كانت “المدارس مختلطة في سنجار”.
تداعيات نفسية
الباحث الاجتماعي إلياس بركات، يرى بأن الاستغلال والتحرش الجنسيين لايقتصر تأثيرهما على
الأذى الفوري للضحية:”بل يؤدي إلى تآكل الثقة بين الطالبات وأولياء الأمور والمؤسسات التعليمية، إذ يفقدن
الشعور بالأمان في البيئة التعليمية، ويمكن أن يمتد هذا التأثير إلى حياتهم العامة، مما يعزز مشاعر العزلة
والخوف ويؤثر سلباً على قدرتهن على بناء علاقات صحية.”
ويشدد بركات، على أهمية “تعزيز برامج التوعية بحقوق الطلاب وسلوكيات التفاعل الآمنة، وضرورة تطبيق
سياسات صارمة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.” كما أشار إلى أن “توفير الدعم النفسي للضحايا أمر أساسي
لضمان تعافيهن ومساعدتهن على المضي قدماً”.
ويجد أن السبب في ظهور سلوكيات الاستغلال الجنسي المنحرفة كما يصفها، هو“غياب الرقابة الفعالة داخل
المدارس وخارجها، وهذا يسمح بحدوث هذه الأفعال دون ردع فوري.”
ويضيف “التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت الاتصال بين الطلاب والمعلمين خارج أوقات
الدوام المدرسي. هذه الأدوات، رغم فوائدها، يمكن أن تكون منصات سهلة للاستغلال إذا لم تُستخدم بحذر.”
كما أتهم بعض العائلات بالتقصير في “متابعة شؤون الطالبات وتوجيههن نحو السلوكيات الصحيحة”، ويتابع
“العائلات التي لا تقدم نصائح كافية للطالبات بشأن كيفية التعامل مع الآخرين داخل المدرسة وخارجها قد
يجعلهن عرضة للاستغلال.”
اعضاء فريق التحقيق وخلال جولة قاموا بها في القضاء، توصلوا إلى أن العديد من العائلات قامت بنقل بناتهن من
مدرسة إلى أخرى، بسبب استيائها من سلوكيات وجدوها غير اخلاقية من قبل بعض المدرسين والمحاضرين،
وقد حدث ذلك أيضاً في بعض مخيمات النازحين في محافظة دهوك، لكن أياً من تلك العائلات لم تقدم شكاوى
لجهات أمنية، خوفاً من الفضيحة والوصمة المجتمعية.
آثار عميقة
المعالج النفسي الحاصل على درجة الماجستير في علم النفس، ناجي حجي، يقول بأن”الاستغلال
الجنسي والعنف الممارس في المدارس يندرج تحت فئة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ يوجد طرف
قوي وآخر ضعيف، ويتم إساءة استخدام السلطة من قبل الطرف الأقوى. هذا الاستغلال قد يحدث بين أفراد
من نفس المستوى أيضاً، سواء عن طريق الإيحاءات اللفظية أو عبر الصور والرسائل.”
ويشير إلى أن الضحية تعيش صراعاً داخلياً، يتأرجح بين الميل إلى الرضوخ لضغط المعتدي أو مواجهة
آثار سلبية محتملة من قبل الطرف الآخر القوي. ويضيف: “حتى إذا كانت الضحية لا تمتلك ميولا تجاه الطرف
الآخر، فهي قد تجد نفسها تفكر في تأثير الرفض وما قد يترتب عليه من تداعيات”.
ويذكر بأن الأعراض النفسية التي قد تظهر على الضحايا تشمل الاكتئاب، العزلة الاجتماعية، التفكير الزائد،
والتساؤل المستمر عن سبب اختيارهم كضحايا، مثل: “لماذا اختارني بالذات؟ هل يراني شخصاً ضعيفاً
وسهل الوصول إليه؟ هل هو صادق فيما يقوله؟”
ويعني المعالج النفسي بذلك، أن صراعاً نفسياً داخلياً تعيشه الضحية، ويستدرك:”ينجم عن كل ذلك في العادة،
سلوكيات غريبة مثل خوف الضحية من أبسط الأشياء”. وينبه إلى أن الأضرار النفسية الناتجة عن الاستغلال
الجنسي قد تكون “جسيمة للغاية”، إذ تعاني الضحية من شعور بالخيانة والخوف الذي قد يتطور إلى اضطرابات
نفسية مثل الاكتئاب أو القلق.
كما يشير إلى أن الضرر النفسي لا يقتصر فقط على الضحية نفسها، بل قد يمتد أيضا ليشمل زميلاتها
وأسرهن، “انتشار قصص الاستغلال قد يثير حالة من الذعر بين الطالبات، ويجعل بعضهن يشعرن بأنهن
مهددات باستمرار، مما قد يدفع البعض إلى ترك المدرسة خوفاً من التعرض للاستغلال.”
ويحذر حجي، من أن يصل اليأس بالضحية إلى حد التفكير بالانتحار”وأحياناً قد يقدمون عليه، لذلك لابد
من توفير العلاج النفسي والدعم اللازم للطالبات المتضررات لضمان سلامتهن النفسية والجسدية”.
ويشدد، على أهمية عدم مواجهة الضحايا لهذه المواقف بمفردهم”الحل الأمثل هو التحدث إلى أشخاص
قريبين أو اللجوء إلى مختصين نفسيين للحصول على الدعم اللازم. التكتم على الأمر ليس حلًا، بل قد يزيد
من تعقيد الوضع.” وينصح الضحايا بضرورة توثيق الأدلة مثل الرسائل أو الصور أو الصوتيات لاستخدامها
قانونياً ضد المتحرشين.
كان الهاتف الجوال يرتعش بين يدي زهراء، على الرغم من محاولتها إظهار تماسكها وهي تروي ماحدث
لزميلتها وصديقتها المقربة(جوان)في مدرستهما بناحية سنوني في قضاء سنجار، وبدا أنها لم تتخلص من
صدمة ما حدث لها على الرغم من مرور عدة سنوات.
تقول بنبرة خافتة وعينها على الأرض:”الأستاذ حامد، المدير، كان يبدو على الدوام مهتماً بجوان، يتحدث
معها بلطف ويقدم لها نصائح دراسية، لكن شيئًا ما كان غير مريحاً في نظراته وكلماته”.
تصمت زهراء للحظات، ثم تواصل بتردد: “هي كانت تحاول تجنبه، لكنها لم تنجح، فقد كان يصر على
التواصل معها وطلب منها الجنس مقابل نجاحها في كل المواد، كان يلح عليها برسائل هاتفية، يعدها بالحب
والنجاح تارة، ويهددها تارة أخرى”.
تضم يديها إلى صدرها وتضيف بنبرة فيها حنان:”جوان كانت يتيمة الأب، ولأنها ما زالت صغيرة في الصف
الرابع الاعدادي كان سهلا استغلالها و التلاعب بمشاعرها”.
وتروي كيف أن مدير المدرسة، طلب لقاء جوان خارج أسوار المدرسة، حيث استدرجها إلى أطراف قرية قريبة
:”كنت برفقتها يومها، وأعرف جيداً بانها لم تمكن راضية بما تقوم بها، لأنها تعرضت للإستغلال”.
طلب المدير من جوان أن تركب السيارة إلى جواره، ولم يكن يعرف بأن هنالك شخصاً يصور كل شيء بهاتفه
الجوال من بعيد. تحتشد الدموع في عيني زهراء وهي تقول:”انتشر مقطع الفديو بسرعة على وسائل
التواصل الاجتماعي. رأيناه جميعاً، كان كابوسا حقيقيا. صديقتي كانت ضحية، لكن الناس لم يروا ذلك.
وأخذوا يتحدثون عنها وعن المدير بسوء”.
تأخذ نفساً عميقاً، تضع يدها على جبهتها وتذكر بأن ذلك لم يكن أسوء شسء حدث، وتقول:”العشائر تدخلت،
ولم يكن لديها سوى الحل الذي جاء لصالح المدير بدلاً من معاقبته، إذ فرض عليه الزواج بجوان، مع أنه
متزوج بالفعل، ويكبرها بـ 22 سنة!”، وتستدرك:”لقد أجبروها على العيش مع الشخص الذي أساء لها، بدلاً
من أن يدخلوه السجن”.
معد التحقيق تواصل مع مديرية التربية التي تتبع إليها مدرسة المدير حامد، وعلم أنها اكتفت بتغيير وظيفته
من مدير مدرسة، ونقلته كموظف فيها، مع عقوبة قطع راتب لشهر واحد فقط، دون اتخاذ أي إجراء تاديبي
آخر ضده.
نظرة قانونية
المحامية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المراة سوزان شنكالي، من سنجار، تؤكد عدم وجود تعريف
صريح للتحرش في نصوص القانون العراقي”لم يتناوله المشرّع العراقي لا باللفظ ولا بالتحديد”.
وتستدرك:”غير أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 أدرج هذا الفعل ضمن الجرائم المخلة
بالأخلاق والآداب العامة، في الباب التاسع، الفصل الثالث، نصت المادة 400 على أن من يرتكب فعلاً
مخلاً بالحياء ضد أي شخص، سواء كان ذكراً أو أنثى، دون رضاهم، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة
أو بغرامة لا تتجاوز مائة دينار عراقي (ما يعادل حوالي 145 دولاراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وفي إقليم كردستان، تصل الغرامة إلى 225 ألف دينار عراقي”.
وتضيف المحامية:هنالك أيضاً مواد قانونية مثل المادة 402 التي تجرم التحرش الجنسي وتفرض عقوبات
تصل إلى الحبس، وكذلك المادة 430 المتعلقة بالابتزاز، والتي تعاقب بالسجن كل من يبتز شخصاً آخر
لتحقيق مكاسب غير مشروعة”.
وتقول بأن المحكمة تتمتع بسلطة تقديرية في تكييف الفعل وفقاً للظروف المحيطة بالجريمة، ومدى جسامة
الفعل، وما هو متعارف عليه في المجتمع والعادات السائدة في البيئة التي وقعت فيها الجريمة.
لذا فأن فعل التحرش يعد كما تؤكد المحامية سوزان، جريمة يعاقب عليها القانون، ودعت إلى التعامل معه
بنحو جاد وصارم في نفس الوقت:”أصبح التحرش اليوم يأخذ أشكالاً متعددة، يهدد الفتيات والأطفال بشكل
خاص. فهناك التحرش اللفظي، الملامسة الجسدية، إضافة إلى التحرش الإلكتروني عبر التعليقات أو
الصور أو الرسائل الصوتية وغيرها من الوسائل. جميع هذه التصرفات تعد جرائم يجب محاربتها بالوعي
القانوني للمجتمع وتوفير الحماية اللازمة لأفراد الأسرة”..
وترى أن من الضروري توعية الأفراد بحقوقهم وكيفية حماية أنفسهم، وأن يتم تشجيع ضحايا التحرش
على اللجوء إلى القضاء من خلال الوالدين أو الأزواج لضمان معاقبة الجاني. وتضيف:”التوعية يجب أن
تشمل أيضاً المعلمين والمدرسين وأن يدركوا بوضوح وجود قوانين صارمة تعاقب على الاستغلال والتحرش.
الوعي بوجود مثل هذه القوانين يمكن أن يكون رادعاً قوياً ويعزز من السلوكيات المهنية داخل المدارس”.
المسؤول عن وحدة الشرطة المجتمعية في سنجار، المفوض دخيل، يؤكد بأنهم يتلقون يتلقون وبانتظام
اخباراً عن حالات استغلال جنسي تقع في المدارس “ولكن قليلون هم الذين يقدمون شكاوى بنحو
مباشر”، ويوضح:”نحن نتلقى تقارير وابلاغات عن حالات الاستغلال والابتزاز في مختلف المستويات
و قلما تاتينا حالات ابلاغ عن الاستغلال في المدارس لاسباب قد تكون اجتماعية أو عدم معرفة الناس
بالآليات و طريقة الابلاغ”.
ويضيف:”نحن في الشرطة المجتمعية مستعدون دائماً للوقوف إلى جانب الضحايا وتقديم الدعم اللازم.
ونحث الطالبات اللواتي يعانين من أي شكل من أشكال الاستغلال على التواصل معنا فوراً. يمكنهن
الاتصال بنا عبر الخط الساخن للشرطة المجتمعية، أو زيارتنا في مركزنا للحصول على المساعدة والدعم”.
وؤيكد دخيل:”نحن ملتزمون بتنظيم جلسات توعية في المدارس لتعريف الطلاب بحقوقهم وكيفية التصرف
في حالات الاستغلال. سنعمل على وضع تعليمات واضحة داخل المدارس لضمان أن يعرف الجميع حقوقهم
وكيفية الإبلاغ عن أي تجاوزات”.
واختتم كلامه بإشارته إلى أن:”التعاون بين الشرطة المجتمعية والمدارس وأولياء الأمور هو المفتاح لتوفير
بيئة تعليمية آمنة للجميع. نحن هنا لحماية الطلاب ودعمهم، وسنبذل كل جهد ممكن للحد من هذه الظاهرة في
مجتمعنا.
ويوجه كلامه للطالبات واولياء الأمور في سنجار، بأن الخط الساخن للشرطة المجتمعية هو (497)،
ومتاح على الدوام، و الموظفون سيكونون على الجانب الآخر لتلقي الاتصالات و الابلاغات على مدى 24
ساعة في اليوم، كما قال.
المجتمغ
أبو الياس(60 سنة) من مجمع خانصور، التابع لسنجار، عضو في لجنة أولياء أمور الطلاب في المنطقة،
يؤكد أهمية عقد اجتماعات دورية بين أولياء الأمور والمدارس لمناقشة قضايا الاستغلال الجنسي والتحرش
بالطلاب. ويعبر عن أسفه لعدم انتظام هذه الاجتماعات في معظم المدارس.
ويشير إلى أن القضايا المتعلقة بالسلوكيات غير اللائقة نادرا ما تُدرج في جداول الأعمال. ويطالب بضرورة
تعزيز هذه الاجتماعات وجعلها شهرية، لكي يتمكن أولياء الأمور من الحديث بنحو مباشر مع المسؤولين في
المدرسة واتخاذ إجراءات وقائية فعالة.
معد التحقيق أجرى لقاءً مع حسن صالح، مدير تربية سنجار للدراسة العربية، بخصوص الإستغلال الجنسي
للطالبات في المدارس، فقال بأنه علم بوقوع حالتين لكن:”لم نتلقَ أي شكوى رسمية من الطلاب أو أولياء
الأمور، المدرسين، أو من الكادر النسائي لدينا. أبوابنا مفتوحة للجميع للإبلاغ عن أي حالة أو تقديم معلومات
بشأن هذه القضايا”.
و يضف”نعقد اجتماعات دورية مع مدراء المدارس، ونحث على الرقابة الفعالة، وعند ثبوت حالة تحرش أو
استغلال يتم التعامل معها من خلال اللجنة القانونية لدينا، ونقوم باستدعاء الأطراف المعنية بشكل سري
للتحقق من صحة الادعاءات. وفي حال ثبوت الحالة، يتم رفع كتاب العقوبة، ويتم اتخاذ الإجراءات المناسبة
بحق المدرس أو المعلم وفقا لدرجة جسامة الفعل. العقوبات قد تشمل الفصل، النقل إلى مدرسة أخرى،
أو توجيه توبيخ”.
ويضرب على ذلك مثالاً:”كانت لدينا حالة في تربية القيروان، إذ عوقب المدرس المتورط بالتوبيخ والنقل
إلى مدرسة أخرى، كان هذا المدرس تابعا للدراسة العربية، لكنه لم يكن خاضعا لإدارتنا” يقول مدير التربية
للدراسة العربية.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة
اقرأ أيضاً: بلدة إيزيدية أضحت بلا إيزيديين(الشيخان) تفقد خصوصيتها لهجرة سكانها الأصليين