تحقيقات

(إعادة التدوير)حل نهائي لتلافي مشكلة النفايات في مدينة الموصل

مناطق الطمر الصحي لم تعد مجدية..(إعادة التدوير)حل نهائي لتلافي مشكلة النفايات في مدينة الموصل

سيف العبيدي

تعد مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، ثاني أكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد، يعيش

فيها ما يقرب من مليون وثمانمئة ألف شخص. يمر بها نهر دجلة، فيتشكل جانبان ايمن وايسر،

 شهدت تدهوراً أمنياً كبيراً بعد سقوط النظام العراقي السابق في نيسان/أبريل 2003 ولغاية

 تحريرها من تنظيم داعش في تموز/يوليو2017، وهي تنتظر حلاً نهائياَ لمشكلة النفايات.

وهي تعاني من مشكلة في التخلص من النفايات إذ أن هنالك كميات كبيرة منها تطرح في المكبين

 المخصصين لها فضلاً عن تراكمها بداخل الاحياء الشكنية ولاسيما العشوائية.

مشكلة بحاجة إلى حل

الناشط البيئي عادل زياد، يقول بأن فترة ما قبل سيطرة داعش على الموصل في حزيران/يونيو2024

شهدتقلة الآليات المتخصصة والإيدي العاملة في البلدية، وقد أدى ذلك إلى تراكم النفايات في داخل الأحياء

السكنية والأسواق، والأهالي كانوا يعمدون إلى إحراقها للتخلص منها، وكان ينجم عن ذلك ضرر بيئي

ومخاطر صحية هددت السكان.

لكن بعد تطور الجهد البلدي، لم تعد النفايات تتكدس، وصار للمدينة موقعان للطمر الصحي في

السحاجي وكوكجلي، لكن المشكلة لم تنتهي عند هذا الحد، فهنالك كميات هائلة تلقى يومياً في

 الموقعين، وأضرارهما تتفاقم يوماً بعد يوم ولا سيما أنهما يقعان بالقرب من تجمعات سكانية”.

 ويرى عادل زياد، أن مجرد رفع النفايات من داخل المناطق السكنية والتجارية ونقلها إلى مكان

آخر وتجميعها هناك ليس حلاً، بل يعتقد بانها مشكلة إضافية، لأن الانبعاثات التي تصدر عنها

بفعل الحرارة ودخان حرقها ينتقلان إلى باقي أجزاء المدينة بواسطة الرياح، كما أن ملوثاتها

 تنزل مع مياه الأمطار لتختلط بالمياه الجوفية، إضاقة إلى أنها أماكن لتجمع القوارض

والكلاب السائبة والحشرات الضارة”.

مدير إعلام بلدية الموصل، علاء الحيدر، ذكر بأن كمية النفايات التي يتم رفعها يومياً في الموصل

تبلغ 2200 طناً، 1200 طن من الجانب الأيسر و 1000 طن من الجانب الأيمن، بمعدل

 تقريبي هو 1250غم من النفايات لكل منزل.

 وهذا يعني بأن الكميات التي يتم جمعها ونقلها إلى موقعي الطمر الرئيسيين في كوكجلي والسحاجي

خلال سنة تبلغ 803 ألف طن، ماعدا التي يتم تجميعها في المطامر العشوائية التي أحدثها السكان

في بعض المناطق على حدود وخارج بلدية الموصل.

نفايات مكدسة في الشارع

نظام بدائي

الخبير البيئي عبد الأحد زهير، يقول بأن ترك النفايات في العراء أو حرقها يفاقم مشكلة

التلوث البيئي في الموصل، وهي “طرق بدائية مازالت تستخدم في المدينة منذ عقود طويلة”.

 ويلفت إلى أن طمر النفايات في موقع معين، كان حلاً مثالياً قبل خمسة عقود، أما اليوم”سيبلغ

اعداد سكان الموصل مليوني نسمة، والتمدد العمراني الكونكريتي الأفقي توسع خارج التصميم

 الأساسي الذي يعود لسبع وعشرين سنة ماضية”.

ويتابع:”كما أن أسلوب الطمر هذا، يعني بمرور السنوات تلويث مساحات واسعة جداً من

الأراضي، ولا تتحول لاحقا بعد الانتهاء منها الى مساحات خضراء مثلاً أو مشاريع أخرى

ذات نفع عام أو خاص، بل تترك كما هي بكل ما فيها من ملوثات وبعضها معمرة كالبلاستك

والمواد الصناعية الأخيرى غير القابلة للتحلل”.

كما يؤشر مشكلة قلة الوعي البيئي لدى المواطنين ولاسيما في المناطق الشعبية والعشوائية:”

يتم رمي النفايات في الأرض، فتتجمع ثم تتبعثر ملوثة الأزقة والشوارع، أو يتم حرقها، فتؤثر

الغازات الناتجة على الصحة العامة”.

ويلفت إلى أن 80% من النفايات تكون غذائية في العادة، وبما أنها مواد عضوية فأنه يمكن

 فرزها عن باقي المخلفات والنفايات لإنتاج سماد عضوية ومقوي للتربة،

دراسة بيئية

وأشار إلى دراسةأجراها باحثان من جامعة الموصل. وجدا أن من الممكن لبلدية الموصل أن تنشئ وكخطوة

 أولى مصنعا لفرز وتصنيع المخلفات السكنية الصلبة، بطاقـة تصـميمية أولية مقدارها

١٠٠٠ طن يوميا   السماد العضوي ومقوي التربة. على أن تكون نواة لإنشاء منظومة

للإدارة المتكاملة للمخلفـات الصلبة خاصة بمدينة الموصل، يكون محورها المكب النظامي .

فيما يعتقد الأستاذ الجامعي فائز علي، أن الزيادة الكثيفة للسكان قابلها توليد متزايد للمخلفات

 السكنية، وكذلك الحال بالنسبة للنشاط الصناعي، إذ زادت المخلفات الصناعية بنحو كبير.

 ويبين:”كان عدد سكان مدينة الموصل في العقد الخامس من القرن الماضي 179ألف نسمة،

 إرتفع عددهم خلال أكثر من سبعين سنة إلى مليون و800 ألف نسمة، موزعين على أكثر

من 160 ألف وحدة سكنية”.

ويرى بأن نتيجة الحروب المتلاحقة في مطلع سبعينيات القرن المنصرم ، ثم حرب

الثمانينات مع ايران، وحرب مطلع التسعينات مع أمريكا، والحصار الدولي الأقتصادي

الذي استمر لغاية  حرب اسقاط النظام السابق في 2003 ثم التدهور الأمني الذي

استمر لغاية صيف 2017″كل ذلك عطل خطط توسيع أو تحديث التصميم الأساسي للمدن

ومن بينها الموصل، لذلك فاغلب الخطط والمشاريع هي عشوائية أو وقتية، وهذا يتعلق

 في كل المجالات وليس فقط التخلص الآمن من النفايات”.

ويجد بأن التحدي الأبرز الذي تواجهه بلدية الموصل هو:”ضعف الإمكانات المالية والفنية

والآلية التي تمكنها من تكوين الوحدات الأساسية اللازمة للإدارة المتكاملة للمخلفات

الصلبة، ثم تشغيل المنظومة بكاملها بفاعلية وكفاءة عاليتين”.

وفي دراسة أعدها  كل من د.سحر سعيد قاسم الطائي و د.ابراهيم محمد حسون القصاب،

 عنوانها(تحديد الموقع الأمثل للنفايات الصلبة في مدينة الموصل بإستخدام متغيرات معينة”

حددا فيها المناطق المناسبة لأن تكون أماكن للطمر الصحي وفقاً لمحددات هي:

جغرافية يراعى فيها المناخ، بأن تكون منطقة الطمر أقل استقبالاً للإمطار للحد من خطر

 انجراف النفايات وتلويث المجاري المائية، والأخذ بعين الأعتبار سرعة الرياح في تلك

المنطقة لتفادي تطاير النفايات والروائح الكريهة بإتجاه المجمعات السكنية.  وأيضاً

تراعى الطوبغرافية بالابتعاد عن المناطق شديدة الإنحدار أو الوعرة.

ومحددات أخرى، منها جيولوجية بالإبتعاد عن مصادر المياه السطحية، وبيئية باختيار منطقة

 بعيدة عن المواقع الأثرية والدينية، والأخذ بعين الإعتبار الإستعمالات المستقبلية لمنطقة

 الطمر بعد انتهاء العمر الإفتراضي له وتصبح مثلاُ منطقة خطراء أو ساحة لوقوف السيارات

وغير ذلك.

مع اختيار موقع يسهل وصول الآليات إليه ويحتوي على تربة ملائمة وكافية لتغطي النفايات

 وأن تكون بعيدة عن التجمعات السكنية ضمن حدود البلدية أو في المناطق الريفية.

وأوصت الدراسة بعدم وضع المواقع الوسطية للنفايات داخل الأحياء السكنية لأنها

ستتسبب بضرر بيئي، والتوجه إلى دراسة المياه الجوفية في المدينة بطرق وقياسات

 حديثة تؤهل  اختيار مواقع  أكثر دقة للطمر الصحي”لأن النفايات ستتسبب بتلوث مياه

الشرب عند امتزاجها باي مصدر لتزويد المياه”.

المتخصصون يؤشرون مشاكل عديدة تتعلق بالنفايات وتجميعها والتخلص منها في الموصل،

منطقة طمر صحي

خطر النفايات الطبية

ويجمعون على مخاطر مصدرها نوعان من النفايات بنحو رئيسي، الأول:النفايات الطبية،

والثاني:النفايات البلاستيكية.

وبالنسبة للأول،  يشير د.قحطان صديق، أن هنالك انتشاراً غير مدروس للمستشفيات

الاهلية وما يصفها بـ”دكاكين المضمدين” والعيادات الخاصة، والمستشفيات العامة

الجامعة بمختلف الاختصاصات وفي أماكن مختلفة وكذلك المستوصفات ومذاخر الأدوية.

وذكر بأن نسبة المخلفات غير الخطرة تبلغ بنحو عام 85% من الكم الإجمالي لمخلفات

 أنشطة الرعاية الصحية، النسبة المتبقية البالغة 15% مواد خطرة يمكن أن تنقل العدوى

أو أن تكون سامة أو مشعة.

 وأن بعضها ملوثة بالدم وسوائل الجسم الأخرى. مثل “المخلفات الناتجة عن عينات

التشخيص المنبوذة، وعينات الزرع ومخزونات العوامل المُعدية التي تخلفها أعمال

المختبرات كمخلفات المشرحات والحيوانات المصابة بالعدوى، والناتجة عن أعمال

المختبرات أو مخلفات المرضى في أجنحة العزل والمعدات مثل الممسحة والضمادة

والمعدات الطبية التي تُستعمل مرة واحدة”.

خطورة المخلفات

ويشير إلى مخلفات أخرى خطرة: المخلفات الباثولوجية،  كالأنسجة أو الأعضاء أو السوائل

 البشرية، وأجزاء الجسم والذبائح الحيوانية الملوثة، والأجسام الحادة كالمحاقن والإبر

والمشارط والشفرات التي تُستعمل مرة واحدة، وغيرها.

 والمواد الكيميائية المذيبات التي تُستعمل في التركيبات المختبرية، والمواد المطهرة،

والفلزات الثقيلة الموجودة في المعدات الطبية كالزئبق الموجود في مقاييس الحرارة

المكسورة والبطاريات، سامة وتؤثر على نمو ادمغة الاطفال بشكل كبير.

والمستحضرات الدوائية كالعقاقير واللقاحات المنتهية الصلاحية وغير المستعملة والملوثة،

 والمخلفات السامة للجينات. النفايات البالغة الخطورة أو المطفّرة أو الماسخة أو المسرطنة،

 مثل العقاقير السامّة للخلايا والمُستخدمة لعلاج السرطان، ومستقلباتها.

والمخلفات المشعة كالمنتجات الملوّثة بالنويدات المشعة، بما في ذلك المواد التشخيصية المشعة

 أو المواد التي تُستخدم في العلاج الإشعاعي.، ونوه إلى أن مصادر كل هذه الأنواع من

الملوثات هي المستشفيات والمرافق الصحية والمختبرات ومراكز البحوث ومراكز التشريح

 ومختبرات البحوث والفحوصات الحيوانية وبنوك الدم وخدمات جمع العينات دور رعاية

العجزة والمسنين.

ويقول أن عدم التعامل الصحيح مع هذه المخلفات يؤدي الى انتشارها في القمامة

ومن ثم تسربها للانهار والهواء وتؤدي بالدرجة الاولى الى انتقال عدوى الاصابة بالتهاب الكبد

الفيروسي B وكذلك النوع C بدرجة أقل كما أنها تساعد على انتشار أمراض العوز المناعي

الفيروسي وغيرها.  

ويلفت عاملون في الحقل الطبي بالموصل إلى عدم وجود صندوق أمان من الكارتون

   Safety box في الوحدات الصحية لحفظ الحقن المستعملة، وأنها توضع بدلاً من ذلك

 مع البقايا الأخرى في حاويات القمامة الصغيرة مما يسبب بمشاكل صحية وعدوى

فايروسية لعمال النظافة غير المدربين للتعامل مع هذه الأنواع من النفايات.

خطر حرق النفايات

ويرون كذلك بأن هنالك خطورة في اللجوء الى “حرق المخلفات والانسجة البشرية

ومخلفات الولادة والاجهاض، أو حتى طمرها بطريقة لا معيارية وغير امينة او رميها

مع القمامة.” ويحذر من ان معظم المستشفيات قريبة على الانهار وترسل فضلاتها

ومياه الصرف الصحي ومياه الغسل الى الأنهار.

مصدر طبي في المستشفى العام بمدينة الموصل، قال لمعد التحقيق، بأن التعامل مع المخلفات

الطبية الخطرة، والأدوية المنتهية الصلاحية لايتم عادة بنحو مثالي، وأن قسما منها يتسرب

 إلى النفايات العادية ومن ثمة على مواقع الطمر، سواء بسبب عدم الفرز او اهمال مراقبة العمال.

ولايعتقد بأن حرق النفايات الطبية الصلبة حل كامل”لأن هنالك انبعاثات، وغازات سامة

 تصدر عن بعض المواد، وبما أن المستشفيات تكون محاطة بالتجمعات السكانية، إذا

فالمخاطر قائمة” ويجد أن أفضل وسلية للتخلص من النفايات الطبية هي بإستخدام أجهزة

 التعقيم والثرم”وهذا ما لانملكه، ويفترض بالجهات المعنية العمل على توفير مثل هذه

الأجهزة في عموم مستشفيات البلاد”.

مدير الإعلام البيئي في نينوى نشوان شاكر مصطفى يقول بأن فرق بيئة نينوى تتابع

عزل النفايات العادية عن الطبية من الردهات في المستشفيات، ومتابعة نقلها لمعالجتها

 أو التخلص منها بالحرق، ويستدرك هنا ليقول:”بعد العمليات العسكرية في 2017

وماحدث للبنية التحتية الصحية، أصبحت محارق المستشفيات متهالكة”.

أما المخلفات الطبية السائلة:”فقد الزمنا المستشفيات بمحطات معالجة لهذه السوائل،

وأن منظمة دولية أنتهت من انشاء وحدة معالجة لمجمع المستشفيات في الجانب الأيمن

 للموصل، يضم خمس مستشفيات، وتعمل حاليا بنحو نظامي”. وذكر بأن مستشفى واحد

فقط الآن في الموصل ليس فيه محطة معالجة وهو مستشفى (وادي حجر) في الجانب

الأيمن للمدينة.

وأشار إلى أن بيئة نينوى تتابع المستشفيات حالياً بشأن ضرورة اعتماد محارق للتخلص

 من النفايات الطبية الصلبة أو العمل على استخدام ما تعرف بأجهزة”ثرم النفايات الطبية”.

فارس عبوش(19سنة)يجمع الزجاج منذ ثلاثة سنوات من منطقة الطمر الصحي في كوكجلي،

 لغرض بيعه. يقول بأنه يصادف في أحيان كثيرة نفايات طبية، أكياساً مليئة بالأدوية منتهية

 الصلاحية”حبوب وشرابات ومراهم” مصدرها ليس عجلات البلدية”شاهدت عدة مرات

 سيارات تأتي وتلقي بها في المكان”.

ويؤكد بأنها يجد في أحيانا كثيرة بين النفايات”حقناً وأكياس مغذيات وضمادات وقطنا”وأشياء

 أخرى يعتقد بان مصدرها المستشفيات. وذكر بأنه لايهتم كثيراً فيما لو كانت تشكل خطرا

 على صحته، إذ يقول:”النفايات تظل نفايات، وهي قذرة في كل الأحوال سواءً كانت طبية

 أو غير ذلك، أنا أغطي يدي بقفازين سميكين لكي لايجرحني الزجاج، وأغطي فمي وأنفي دائما

بسبب الروائح الكريهة.

الحرق وسيلة غير بيئية للتخلص من النفايات

نفايات بلاستيكية

مصدر الخطر الثاني الأبرز على البيئة في مدينة الموصل، يتمثل بالمواد البلاستيكية، وأكثرها

شيوعاً عبوات المياه البلاستيكية الفارغة التي بوسع المرء مشاهدتها ملقاة على الأرصفة

والشوارع وفي السواقي وفتحات مجاري تصريف مياه الأمطار وأماكن تجميع النفايات.  

د.حاتم عابد، أستاذ جامعي، يقول بأن قسماً كبيراً من سكان مدينة الموصل يعتمدون على

شراء المياه المعبأة من السوق للشرب بسبب تلوث مياه الإسالة الواصلة إلى المنازل

وعدم صلاحيتها للإستهلاك البشري وذكر أن ذلك أدى إلى بروز مشكلة يصفها بالخطيرة.

ويوضح:”هنالك أعداد كبيرة جداً من عبوات المياه البلاستيكية ذات الإستخدام لمرة واحدة

حجم نصف لتر ولتر وعبوات أصغر، تلقى في النفايات يومياً، ولا سيما في مواسم الصيف

والربيع والخريف، وهذا النوع من النفايات معمرة ولاتتحلل إلا بعد عقود وربما قرون وتأثيراتها

 السلبية على البيئة كبيرة للغاية”.

وذكر بأن معالجة هذه المشكلة تكمن:”أولاً بجمعها والتعامل معها بنحو علمي لإعادة تدويرها أو

 التخلص منها نهائياً، وأن ذلك يقع على عاتق وزارة البلديات والأشغال العامة، وثانياً ببث الوعي

 في المجتمع عبر إعلانات مرئية ومسموعة ومقروئة موجهة لمختلف الشرائح، تبين لهم مخاطر إلقاء

العبوات البلاستيكية على البيئة والصحة العامة”.

ويرى كذلك ضرورة قيام وزارة الموارد المائية، بتطوير محطات معالجة المياه من نهر

دجلة:”المحطات الموجودة قديمة، وقدرتها على التعامل مع نسب العكورة والملوثات محدودة،

ويجب أن تستبدل بمحطات متطورة عالية الكفائة”.

كما دعا إلى تطوير شبكة نقل المياه من تلك المحطات إلى المستهلكين:”لأن أجزاء كبيرة

 من شبكة نقل المياه في الموصل، أنشأت منذ عقود، وكثير منها تعاني التكسر، مما يعني

 اختلاط المياه المعالجة القادمة من المحطات مع المياه الآسنة، ومن ثم وصول مياه ملوثة إلى

 المواطنين”.   

الناشط البيئي ذكوان نافع، يتحدث عن مواد بلاستيكية أخرى شائعة بنحو واسع في الموصل:”أكياس

 النايلون للتسوق، يمكن ملاحظة كميات هائلة منها  متداولة يومياً بين الناس، ونجدها مرمية في

كل مكان فضلاً عن مكبات النفايات، وهي في الغالب مصنعة من مشتقات نفطية وكيماوية

 وهي لاتتحلل عضويا، وبذلك تصبح مشكلة دائمية”.

ويعتقد بأن المسؤولية تقع على الجهات البيئية والصحية في العراق والموصل بوجه الخصوص

، لتوعية الناس، وتوجيههم نحو تقليل استخدام أكياس”النايلون”في حياتهم اليومية، وإلزام المتاجر

بإستخدام أكياس ورقية ضررها يكون أقل على البيئة، وتأثير استخدامها على الصحة محدود.

ويشير ذكوان إلى أنواع أخرى شائعة من البلاستك، ترصد باستمرار في مخلفات

المنازل بمدينة الموصل:”عبوات الألبان والأجبان والمرطبات، والأصباغ وبلاستك

التغليف والأغطية البلاستيكية والبولستر وغيرها”.

الحل في إعادة التديور

ينتج العراق وفقاً للأمم المتحدة، ما يقارب الـ٣٠ ألف طن من النفايات الصلبة يومياً “لكنه يفتقر

 إلى بنية تحتية مؤهلة للتعامل مع هذا الكم من النفايات والتخلص منها بطريقة مناسبة تضمن

عدم وجود أثار سلبية على البيئة وصحة السكان، لذلك يتم التخلص من معظم النفايات في

مدافن قمامة غير منظمة”.

وجاء في تقرير نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أيار/مايو2022، أن ذلك “يكلف

العراق ثمناً باهظاً عندما يتعلق الأمر بالتزاماته الدولية بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس

 الحراري إضافةً إلى تلوث التربة والمياه الذي تتسبب به النفايات بشكل مباشرة”.

وكانت هنالك جهود نحو تنفيذ مشروع متخصص بإدارة النفايات الصلبة في محافظة نينوى

 ومركزها الموصل كشراكة مع مدينة براتو الإيطالية ممثلة بشركة “بين براتوPin Prato ” ،

 كجزء من “مشروع التوأمة” تحت مظلة برنامج “دعم تعافي العراق واستقراره عبر التنمية

المحلية” الممول من الاتحاد الأوروبي.

وفد متخصص من المدينة الإيطالية زار الموصل وعقد اجتماعاً في منتصف 2023 مع

 إدارة المحافظة، وقالت حينها ألاريا ترامونتي منسقة برنامج التوأمة من بلدية براتو:”أننا

 درسنا على مدى سنة ونصف السنة كل حيثيات الخطة، ونجحنا في وضع خطة خاصة

بإدارة النفايات في مدينة الموصل، وتم تسليم الخطة التي تحتوي على كل الأقسام الخاصة

 بالخدمات البيئية وإدارة النفايات”.

وذكرت أن الهدف من وضع هذه الخطة، هو “لتقديمها إلى الدول المانحة لكي يتم دعمنا

 بنحو كامل مالياً لتطبيقها في المستقبل القريب”.

ولايبدو أن هنالك تحركاً كبيراً بشأن دعم هذه الخطة، بإستثناء ما أشار إليه مدير إعلام بلدية

الموصل علاء الحيدر، بقوله أن مدير بلدية الموصل عبد الستار الحبو، استقبل قبل أسابيع مدير

 شركة اسبانية قدمت عرضاً لدراسة مشروع إعادة تدوير النفايات في الموصل، دون أن

يدلي بمزيد من التفاصيل.

كما ذكر بأن هنالك فرصة إستثمارية معروضة في هيئة استثمار نينوى لتدوير النفايات”

 لكنها لم تحال إلى أي جهة لغاية الآن”.

وكان طه أحمد الطيار، وساطع محمود الراوي، قد نشرا دراسة في مجلة الهندسة والتكنلوجيا

 سنة 2014، عنوانها(تفعيل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في مدينة الموصل)، شملت

ستة مناطق داخل مدينة الموصل وفي كل منطقة اختارا خمسة عشر موقعا جمعا منها عينات

 يومية للنفايات المنزلية و التجارية من الأسواق المحلية و لمدة ستة أشهر ابتداء من شهر

شباط/يناير و لغاية شهر تموز/يوليو.

وتوصلا إلى أن تركيبة وخصائص النفايات الصلبة في مدينة الموصل، تشبه إلى حد ما

الخصائص الموجودة في بقية الدول مع اختلاف النسب الوزنية لكل عناصر،إذ مثلت الفضلات

 الغذائية النسبة الأكبر بواقع ٦٨.١٧ % و الورق و الكارتون ٩.٦ % و الزجاج ٢.٦١ % .

 بينما مثل البلاستك و النايلون ٥.٢٩ % وعلب الألمنيوم ٢.٢٧ % ، مضافا لها ١.٦٥ % أغلفة

 المأكولات، أم المنسوجات فكانت نسبتها ٢.٠١ % وحفاضات الأطفال القطنية ٣.٤٧ %

و مخلفات الحدائق والزرائب فكانت نسبتها ١.١٣ % و المواد المطاطية فلم تتجاوز ١.٠ % ،

 بينما بقية المكونات مثل المعادن والأخشاب و المواد الجلدية و مخلفات البناء كانت نسبتها

اقل من ١.٠%.

وتوصلا كذلك إلى أن طمر هذه الكميات الهائلة سوف يستهلك مساحات شاسعة من الأراضي

 التي يمكن استثمارها في ميادين أخر.، لذا شددا في دراستهما على ضرورة تطبيق الإدارة

 المتكاملة للنفايات الصلبة بطرقها المختلفة لأنها ستؤدي إلى “استخدام بعضها و تدوير

البعض الآخر، مع إنتاج محسنات التربة من الفضلات العضوية السريعة التحلل، وبذلك فأن

 كميات ضئيلة من النفايات ستصل إلى مواقع الطمر الصحي بحيث تشغل مساحات صغيرة

نسبيا ويزول خطرها أو يتم تحجيمه”.

إقرأ أيضاً: لأعراف قبلية ودينية،،عراقيات يعشن ويمتن دون حقوق

عقبات تنفيذ مشروع تدوير النفايات

الأستاذ الجامعي د.حاتم عبد، يرى بأن ثمة عقبات عديدة تعترض مشروع تدوير النفايات”

مالية بسبب ضعف التخصيصات، وإدارية وفنية، لكونه مشروع جديد كلياً وليست هنالك

خبرة كافية لدى دائرة البلدية في التعامل معه، والتعقيدات التي ترافق الرخص الإستثمارية”.

لكنه يتوقف عند العقبة الأكبر حسب قناعته وهي”المواطن”، ويقول:”مثل هذه المشاريع تحتاج

 إلى تهيئة مسبقة لبث الوعي الكافي لدى المواطنين، من أجل ضمان تعاونه واستجابته،

 فعملية التدوير تبدأ من المنزل أو مقر وموقع العمل، بفرز النفايات ووضع كل مادة في

 المكان المخصص لها قبل رفعها ونقلها، وإيضاً عدم الرمي العشوائي للنفايات أو حرقها”.

كما يعتقد بأن انتهاء حقبة تدهور الأمن، وبعد أكثر من ثمان سنوات على الأمن التام في

الموصل:”آن الأوان لتفعيل قوانين بيئية، بفرض غرامات مالية على من يلقي بالنفايات

 في الأماكن غير المخصصة لها في المناطق التجارية والسكنية والطرقات”. 

وبمناسبة الحديث عن وعي المواطنين، معد التحقيق وضمن سعيه لتتبع معلومات بشان مشروع

 لتدوير النفايات كان قد أقر في الموصل قبل نحو خمسة عشر سنة، قابل عضواً سابقاً بمجلس

 قضاء الموصل، أكد بأن ذلك المشروع لم ينفذ على الرغم من تخصيص ميزانية لتنفيذه

من قبل مجلس محافظة نينوى.

عضو المجلس الذي فضل عدم الإشارة إلى أسمه، قال بأن اتفاقاً جرى سنة 2009 بين محافظة

 نينوى وشركة تركية متخصصة لتدوير النفايات في مدينة الموصل بعقد بلغت قيمته 10 مليون

 دولار. مقابل أن تقوم الشركة برفع النفايات من أكثر من 150 حي سكني ومنطقة تجارية

 وتجمعها في محطتي تدوير في كلا جانبي المدينة، أحدهما في منطقة حي الرفاق في الجانب

الأيسر وتوفير نسبة محددة من الكهرباء والمياه المعقمة والمعبأة، وتشغيل عدد كبير من

 الأيدي العاملة.

وأكد بأن مواطنين من ساكني الوحدات السكنية المحيطة بالمحطة المقترحة في حي الرفاق

 رفضوا وجود المحطة قرب منازلهم خشية أن تتسب لهم بالأمراض، على الرغم من تاكيدات

 مسؤولي  بلدية الموصل والمحافظة ومجلس القضاء بأن التعامل مع النفايات سيكون آمناً.

ويضيف:”كانت هنالك محاولة لإقناع الشركة بنقل المحطتين إلى خارج مدينة الموصلأ، لكنها

 رفضت ذلك، بسبب بعد الموقعين، لكون العجلات كانت ستقطع مسافات طويلة بوالتالي ستكون

هنالك تكاليف قدرت بالضع، وهكذا ألغي المشروع”.

أما خبير البيئة لزكين محمد صلاح، فيرى بأن”الفساد الحكومي يشكل” العقبة الأكبر أمام تنفيذ

 مشروع تدوير النفايات في الموصل، ويقول بأن المبلغ المخصص لبلدية الموصل لسنة 2023

على سبيل المثال بلغ (54 )مليار دينار ما يعادل (411)مليون دولار تقريباً.

 “جزء كبير منه أنفق على قطاع التنظيف وكان الأولى تشكيل لجان متخصصة توزع على

القطاعات البلدية كافة لتحديد أماكن إنشاء محطات وسطية لجمع وفرز النفايات وإنشاء مطامر

 نظامية تدفن فيها النفايات غير القابلة للتدوير”.

أهمية التدوير

ويستدرك متسائلاً:”لو نفذ مشروع لتدوير النفايات، لن تكون للفاسدين حصص من المبالغ

الكبيرة المخصصة سنويا لرفع ونقل النفايات إلى مناطق طمر غير صحية ومخالفة للشروط

البيئية !”، لهذا فهو يستبعد تنفيذ مشروع التدوير على المدى القريب في الموصل.

فخرية جبر، ربة بيت وأم لثلاثة أطفال أكبرهم في الحادية عشر من عمره، تسكن في

منزل صغير بحي العبور القريب من منطقة طمر النفايات في السحاجي، تقول بأن روائح

تصفها بالكريهة تستنشق باستمرار ولاسيما في الصيف أو عند هبوط الرياح، وكذلك دخان

حرق النفايات في منطقة الطمر.

وتضيف:”أنا أخشى على أولادي من الكلاب السائبة التي تنتشر في المكان كله بسبب النفايات،

 وهي بالعشرات، وكذلك هنالك جرذان وفئران وحشرات غريبة” ومع انها تمنع أطفالها من

اللعب في منطقة الطمر، إلا أنهم يذهبون إلى هناك”وأنا أخشى عليهم من الأمراض”.

تقول بأنها وجيرانها لايستطيعون مناشدة الجهات المعنية بشأن موقع الطمر:”لأن منازلنا

مبنية بالتجاوز، يسمونها عشوائية، لهذا ليست لدينا خدمات بلدية ولا مياه اسالة أو كهرباء

ولا شوارع مبلطة ولا مدارس قريبة”.

 تصمت قليلاً ثم تتابع:”ويبدو أنه ليس لدينا الحق في الخوف على صحتنا، لأننا مواطنون من

 الدرجة الثانية !”.

  • انجز التحقيق تحت اشراف شبكة “نيريج” ضمن مشروع الصحافة البيئية الذي تديره منظمة “أنترنيوز”.
زر الذهاب إلى الأعلى