(المواطن العالمي) ثور هايردال، بحث طوال حياته عن وطن يمكن للجميع أن يعيشوا فيه بسلام
مجلة ضوء:اعداد ميادة احمد
ولد ثور هايردال في مدينة لارفيك بمقاطعة فيستفولد جنوبي شرق النرويج سنة 1914 وأنهى هناك
دراسته الثانوية سنة 1933 قبل أن يدرس علم الحيوان في جامعة أوسلو وأكمل دراسته في جامعات
أوربية مختلفة ثم في الولايات المتحدة الامريكة.
كان لديه متحف عائلي فيه العديد من الحيوانات المحنطة، وشغف والديه بهذا الضرب الحياتي انتقل اليه،
وهكذا أصبح باحثاً ميدانياً، وبدأ أول مغامراته في جزر ماركيساس بين سنتين 1937 و1938، ثم خدم في
اقسام الراديو والمظلات في الجيش النرويجي بمقاطعة فينمارك شمالي النرويج، خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد ان وضعت الحرب اوزارها قرر هايردال التوسع في مغامراته، وراودته فكرة الإبحار بمركب بدائي عبر
المحيط الهادئ في أمريكا الجنوبية، وكان هذا جزء من نظرية درسها طوال حياته تعلقت بالهجرات البحرية
القديمة في مختلف انحاء العالم، وهذا تحديدا ما اكسبه شهرة عالمية واسعة لاحقاً جعلته يحصل على
جائزة الأوسكار ويصبح ممثلاً عن الأمم المتحدة .
كون تيكي
أول مغامراته البحرية بدات سنة 1947، عندما أبحر مع أربعة نرويجيين هم هيرمان فاتسينغر وتورشتاين
راباي وإريك هيسلبيرغ وكنوت هاوغلاند، بطوف اعتقد هايردال أنه قبائل الأمكا كانوا يستخدمونه،
وقطعوا مسافة 8000 كيلو متر في 101 يوماً. ترجم كتاب عن تلك الرحلة-كون تيكي على نحو 70 لغة،
وبيعت منع ملايين النسخ، وفاز فلم وثائقي انتج سنة 1950 عن تلك الرحلة التي حمل أسمها(كون تيكي)
بجائزة الأوسكار سنة 1951. والطوف الان موجود في متحف كون تيكي في أوسلو. وفي سنة 2012 أنتج
فلم روائي
عن تلك الرحلة الشهيرة.
كوني تيكي في متحف اوسلو- ويكبيديا
راع 1 و راع 2
بعد نجاح مغامرته البحرية تلك، قاد فريقا دولياً لرحلة بحرية بقارب مصنوع من القصب يشبه
القوارب المصرية القديمة، لكن الرحلة هذه لم تكتمل لأن وفق المخطط المعد له بمسافة
6000 كيلومتر من المغرب الى منطقة الكاريبي، اذ غرق في منطقة بربادوس.
لكن العناد الذي عرف به هايردال دفعه لتكرار المحاولة سنة 1970 ببعثة أطلق عليها راع 2، نج
في عبور المحيط الأطلسي بين 17 أيار و 12 حزيران 1970 وقارب راع 2 موجود الان في متحف كون
تيكي بالعاصمة النرويجية أوسلو.
راع 2 في متحف اوسلو- ويكيبيديا
دجلة
بين 1975 و1977 بنى ثور هايردال مع ثماني مغامرين أخرين من مختلف بلدان العالم قارب اطلق عليه
دجلة، في منطقة كرمة علي، ملتقى نهري دجلة والفرات اقصى جنوبي العراق، ثم أبحروا به عبر الخليج
العربي، في محاولة لإثبات رحلات العراقيين القدماء الى المحيط الهندي، وكان مقررا للرحلة ان تنتهي في
اريتيريا، لكنه قرر احراق القارب في البحر الأحمر احتجاجا على الحرب الدائرة هناك، في محاولة لإيصال
صوته الىالعالم بالكف عن بيع الأسلحة للدول المتحاربة..
تنقيبات أثرية
قام ثور هايردال بتنقيبات أثرية عديدة، أحدها في سنة 1953 عندما قاد بعثة أثرية الى جزرغالاباغوس
في المحيط الهادئ غرب الإكوادور، رفقة (أرن سكيولسفولد وإريك ك. ريد)، واكتشفوا العديد من الاثار
التي تعود لأصول السكان الأصليين قبل كريستوفر كولومبوس.
وبين سنتي 1956 و1957، قاد هايردال بعثة أثرية إلى جزيرةتي الفصح بولينيزية. شارك معه كل من الآثاريين(سكيولسفولد، إدوين ن. ويليام مالوي وكارلايل، سميث فردون الابن) ، وضعوا، باستخدام تقنيات
التنقيب الطبقي وتواريخ الكربون المشع (تأريخ C-14)، الأساس لتقسيم الفترات الثقافية المختلفة في
تاريخ جزيرة الفصح.
ثم بين سنتي 1963 و1964، قاد هايردال بعثات تنقيبيةت دولية في جزر ماركيساس في المحيط الهادئ،
وفي عامي 1982 و1983 في المالديف في المحيط الهندي. وبين سنتي 1988 و1994، نظم تنقيبات متحف
كون-تيكي في توكومي، بيرو، ومنذ عام 1991، كان قائد مشروع أثري في غيمار بتينيريفي. كما مول
هايردال في السنوات الأخيرة التنقيبات في أذربيجان.
بالإضافة إلى الرحلات البحرية والتنقيبات الأثرية، استند هايردال في نظرياته إلى مواد أخرى، مثل
المواد النباتية، والأنثروبولوجيا الفيزيائية، أو علم اللغة، وأيضًا إلى أساطير الشعوب. ربط بين هذه الأنواع
المختلفة من المواد ليخلق قصصًا مثيرة ومحررة بشكل جيد، وشارك العالم بها من خلال الكتب والأفلام وبرامج التلفزيون. لا شك أن الانتشار الواسع لهذه الأعمال ساهم ليس فقط في زيادة الوعي بالبحث الثقافي
التاريخي، ولكن أيضًا في تحفيز الاهتمام في العمليات البيئية والسلامية العالمية.
بفضل قوته الكارزمية في الإقناع، قدم هايردال رسائله ولم يكن من السهل زعزعة مواقفه بالاعتراضات.
تأثيره على الجمهور لرسائله يتناقض بعض الشيء مع التأثير المحدود نسبيًا لمساهماته العلمية في
الأوساط البحثية الدولية. لا يمكن إغفال أن بعض ردود الأفعال من هذه الأوساط قد تكون ناتجة عن
الغيرة من العلماء الذين لا لم تكن تباع كتبهم الا بنحو محدود.
نظريات
ولفهم الحجج العلمية لهايردال، لابد من النظر إلى الافتراضات النظرية التي وضعها لتفسير مادته. اذ
استلهم نظرياته من الانتشارية، وهو تقليد بحثي كان سائدًا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والذي ادعى أنه من غير المحتمل أن تكون الاختراعات الخاصة قد ظهرت أكثر من مرة واحدة في تاريخ البشرية.
كانت النظرية الأخرى السائدة في ذلك الوقت هي التطورية، التي فسرَت ما قبل التاريخ بناءً على الافتراض
بأن العالم كان مقسمًا إلى مجتمعات مختلفة، يمكن لكل منها أن تمر بعملية تطوير مشابهة بشكل مستقل.
اعتقد الانتشاريون أنه عندما يمكن تتبع التغيير والتطور في مجتمع ما، يجب أن يكون هذا قد جاء من الخارج،
من خلال التجارة أو الهجرة أو الغزو. أصبحت المشكلة الرئيسية هي تحديد مكان نشوء السمات الثقافية.
زعم عالم التشريح الإنجليزي غرافتون إليوت سميث أن موطنها الأصلي كان مصر القديمة، وأنها انتشرت
من هناك إلى جميع أنحاء العالم. كان المشترَك بين الانتشاريين المتطرفين هو اعتقادهم بأن البشر
بطبيعتهم بدائيون وأنهم سيفقدون تقدمهم إلى “المرحلة البدائية” إذا لم تمنعهم الطبقات الحاكمة.
أقرأ أيضاً: (هنريك ابسن)أبو المسرح العالمي الحديث
نظريات هايردال
تستند نظريات هايردال الثقافية التاريخية إلى التفكير الانتشاري. الأكثر شهرة هو الافتراض بأن بولينيزيا
سُكنت من أمريكا. أحد العناصر الرئيسية في هذه النظرية هو الادعاء بأن التماثيل العملاقة والسمات الثقافية الأخرى في جزيرة الفصح تُظهر تشابهًا لافتًا مع المواد الأثرية الموجودة في بيرو وبوليفيا، مما يجعل من غير الممكن التفكير في مصدر آخر. لم تكن النظرية جديدة. ففي عام 1803، اقترح المبشر الإسباني خواكين دي زونيغا (1760–1818) هذه الفرضية، مشيرًا إلى أن الرياح والتيارات كانت ستدفع السفن من أمريكا غربًا نحو جزر المحيط الهادئ، وأن الإبحار نحو بولينيزيا من آسيا كان يتطلب تقنية ملاحية أكثر تقدمًا مما كان لدى المستكشفين الإسبان الأوائل في القرن
السادس عشر. كما اعتبر العالم السويدي إرلاند نورينسكيولد (1877–1932)، المتخصص في ما قبل تاريخ
الأمريكتين، أن الرياح والتيارات تدعم فكرة الانتشار من أمريكا إلى بولينيزيا بدلاً من الانتشار من الشرق الأوسط إلى الهند ومن ثم إلى إندونيسيا وبولينيزيا. بخصوص التشابه بين التماثيل في جزيرة الفصح وتلك الموجودة
في بوليفيا، فقد أشار إليه بالفعل كليمنس ماركهام (1830–1916) في عام 1870 خلال اجتماع في
الجمعية الملكية في لندن.
بعد دراساته الإثنوغرافية والأثرية المبكرة بين الشعوب الأصلية في كولومبيا البريطانية وجزر ماركيساس،
توصل هايردال أيضًا إلى أن اتجاه انتشار الحضارات كان من أمريكا إلى بولينيزيا. حصلت هذه الفرضية
على القليل من التأييد في الأوساط البحثية، وتم الادعاء بأن طوف البلسا لن يتمكن من البقاء طافيًا
لعدة آلاف من الكيلومترات. لإثبات أن هذا ممكن فعلاً، قام هايردال برحلته الشهيرة على متن كون-تيكي.
في محاولات لاحقة، نجح مغامرون آخرون في الإبحار من بيرو إلى ماركيساس، ولكن على ما يبدو ليس
إلى جزيرة الفصح. وحتى اليوم، لا يزال معظم الباحثين غير متفقين مع هايردال. بالنسبة لاستخدام
طوف البلسا مع الشراع، فقد قيل إن سكان بيرو قبل التاريخ كانوا يتنقلون على طول ساحل أمريكا الجنوبية
على قوارب صغيرة من جذوع الأشجار المرتبطة ببعضها البعض أو في قوارب قصب صغيرة، بينما ادعى
هايردال أن روايات من الغزاة الإسبان تحدثت عن لقاء مع أسطول كامل من قوارب الشراع مع جنود الإنكا
عندما اقتربوا من سواحل بيرو.
عندما يتحدث سكان جزر المحيط الهادئ لغات بولينيزية، فسر هايردال ذلك بأن البحارة البولينيزيين من جنوب
شرق آسيا كانوا قد أبحروا في الماضي عبر تيار اليابان عبر أقصى شمال المحيط الهادئ والشمال الغربي لأمريكا،
ومن ثم اتبعوا تيار همبولت والرياح التجارية عائدين نحو الغرب، حيث وصلوا عبر هاواي إلى جزر المحيط الهادئ من أمريكا وليس من آسيا. ولكن عندما وصلوا، اكتشفوا أن هذه الجزر كانت بالفعل مأهولة بشعوب ذات خلفية ثقافية مختلفة، وهي شعوب قوقازية بيضاء جاءت في زمن بعيد من شمال إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية، حيث بعد أن
“حضّروا” السكان الأصليين، واصلوا الإبحار نحو الغرب واستوطنوا جزر المحيط الهادئ في القرن الرابع
الميلادي. هؤلاء “الهنود البيض” كانوا من قابلهم البولينيزيون من أمريكا الشمالية عندما وصلوا إلى
جزر المحيط الهادئ بين عامي 1100 و1300، ومنهم تعلم البولينيزيون الحضارة وزراعة أنواع مختلفة
من النباتات الأمريكية الجنوبية قبل أن يستولوا على السلطة بأنفسهم.
من أشهر امنيات ثور هايردال الذي توفي سنة 2002 هو إيجاد مكان يعيش فيه الناس جميعهم بسلام،ـ
وأنجز العديد من الكتب والأفلام الوثائقية خلال حيايه وهي:
المطبوعات
- في البحث عن الجنة: عام على جزيرة في المحيط الهادئ (1938) (إصدار جديد Fatu-Hiva، 1974)
- رحلة كون-تيكي (1948)
- الهنود الأمريكيون في المحيط الهادئ – النظرية وراء رحلة كون-تيكي (1952)
- الأدلة الأثرية على الزوار قبل الإسبان لجزر غالاباغوس (بالتعاون مع أرني شجولسفولد)، مذكرات جمعية الآثار الأمريكية 12، سولت ليك سيتي (1956)
- آكو-آكو. سر جزيرة الفصح (1957)
- تقارير عن الحملة الأثرية النرويجية إلى جزيرة الفصح والمحيط الهادئ الشرقي (تحرير بالتعاون مع إدوين نيلسون فيردون جونيور)، مجلدان (1961–1965)
- را (1970)
- فن جزيرة الفصح، لندن/نيويورك (1975)
- الإنسان البدائي والمحيط: بداية الملاحة والحضارات البحرية (1978)
- النهر. البحث عن البداية (1979)
- لغز جزر المالديف (1986)
- جزيرة الفصح: حل لغز (1989)
- ثور هييردال: المغامرة والعمل الحياتي (بالتعاون مع كريستوفر رالينغ) (1989)
- رجل كون-تيكي (بالتعاون مع كريستوفر رالينغ)، لندن (1990)
- كان الكوكب أخضر في اليوم السابع (1991)
- اللقاء المصيري غرب البحر: تاريخ المهزومين (1992)
- الأهرامات في توكومي (1993)
- في خطوات آدم: رحلة تذكارية (1998)
- لا حدود (بالتعاون مع بير ليلسترم) (1999)
- البحث عن أودين (بالتعاون مع بير ليلسترم) (2001)
أفلام وثائقية
- رحلة كون-تيكي (1950)
- غالاباغوس (1955)
- آكو-آكو (1957)
- رحلة را (1971)
- رحلة النهر (1980)
- لغز جزر المالديف (1983)
- جزيرة الفصح (1987)