تحقيقات

لماذا تخشى الأقليات مشروع توسيع تصميم مدينة الموصل؟

جرجيس توما

أعلنت محافظة نينوى في مارس/آذار2024 إحالة مشروع تحديث وتوسيع التصميم الأساسي لمدينة الموصل إلى شركة SGI الإيطالية، الأمر الذي أثار مخاوف الأقليات في سهل نينوى(مسيحيين وشبك) من أن يؤدي إلى إحداث تغيير ديموغرافي يهدد وجودهم في مناطقهم التأريخية.

تبلغ كلفة المشروع (6)مليار دينار عراقي( 47.7 مليون دولار) يفترض أن يوسع مدينة الموصل بسبعة كيلومترات في جميع الإتجاهات، وفقا لبلدية الموصل، مما يعني ضم العديد من القرى والأراضي التابعة لسهل نينوى إلى مدينة الموصل وتصبح جزءاً منها.

وسارع ممثلون عن المسيحيين والشبك، وهم المتضررون الأكبر من المشروع بحكم قرب مناطقهم لحدود الموصل، إلى إعلان رفضهم التام للمشروع، وهددوا باللجوء إلى المحكمة الإتحادية لتعطيله، مستندين في ذلك إلى المادة 23/ثالثاً/ب من الدستور العراقي، وقرار للمحكمة الاتحادية حمل الرقم 65 لسنة 2013.

يكشف التحقيق واقع الأقليات في سهل نينوى، والأسباب التي تجعلها متوجسة من المشاريع الحكومية التي تكون ذات صلة بمناطقهم، وما يجعل حكومة نينوى المحلية تصر على مشروع توسيع حدود الموصل.

ولبيان كل ذلك، لابد أولاً من تسليط الضوء على المشروع ومساحات الأراضي التي سيضيفها للموصل والفوائد التي يقول المسؤولون عنه بأنه سيحققها لمدينة الموصل وسهل نينوى والأقليات التي فيها بحد سواء.

 تحديث وتوسيع الموصل

تبلغ مساحة مدينة الموصل(223.8 كم مربع)، وهي تعادل(89520 دونما)إذ يعادل الدونم وفقاً للتشريعات العراقية(2500 متراً مربعاً). تقول مديرية بلدية الموصل في ترويجها لمشروع تحديث وتوسيع تصميم المدينة أنه سيمتد بمسافة سبعة كيلو متر في كل الإتجاهات وأن(483.7كم مربعاً) ستضاف إلى المدينة أي(193500 دونماً).

مديرة المشروع عن الشركة الإيطالية SGI، إليزا فسالو، تقول بأن شركتها المتخصصة ستعمل على تحديث التصميم الأساسي لمدينة الموصل وتوسيعها في جميع القطاعات، على رأسها السكنية والخدمية، وأن العمل سيستغرق 15 شهراً. أي أقل بنحو 30 شهراً مما أعلنته الجهات الرسمية في نينوى. 

محافظ نينوى عبد القادر الدخيل، ذكر في مؤتمر صحفي، بأن المشروع استراتيجي وعلى تماس مباشر بحياة مئات الآلاف من المواطنين في الموصل ومحيطها، وقال بأنه سيوفر 160 ألف دونماً ستخصص في مجالات عديدة، أهمها السكنية، إذ أن”هنالك عجزاً في القطاع السكني بالموصل مقداره 350 ألف وحدة سكنية”.

فضلاً عن أن المشروع سيوفر أراضٍ تجارية وصناعية وسياحية وتلك الخاصة بالفرص الإستثمارية، “وبذلك ستتمكن مدينة الموصلً ومحافظة نينوى من الوصول إلى تنمية حقيقية على مدى خمس وعشرين سنة مقبلة وهو عمر تنفيذ المشروع الذي سيتطلب تشغيل عدد كبير جداً من الأيدي العاملة”.

بشار يونس عزيز(65 سنة)مدرس ثانوية، من مدينة الموصل، يقول بأنه قضى أكثر من نصف عمره في وظيفته ومع ذلك لم يتمكن من الحصول على منزله الخاص، فهو يسكن منزلاً مستأجراً، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بنحو عام في المدينة.

ويقول:”السبب في ذلك، أن الموصل تختنق بالأبنية، ولاتوجد أراض كافية، فحدث ارتفاع في قيمة المعروض من العقارات، في حين لو تم توسيع التصميم الأساسي ستكون هنالك وفرة في الأراضي، فتنخفض الأسعار تلقائيا ويكون بوسع شرائح واسعة “من ذوي الدخل المحدود مثلي من إمتلاك عقارات سكنية خاصة بهم”.

ولا يجد يونس، ضيراً لو سكن في سهل نينوى”لن اتسبب بتغيير ديموغرافي هناك” يقول مازحا،ً ويضيف بجدية تامة”الحشد الشبكي يمنع مواطني الموصل من شراء عقارات في سهل نينوى، بينما يمكن للأقليات من شبك وتركمان ومسيحيين وغيرهم امتلاك العقارات في مدينة الموصل، هذا أمر غير عادل تماماً”.

مخاوف الأقليات في سهل نينوى

معد التحقيق، أجرى مسحاً للمناطق من سهل نينوى التي يفترض دخولها ضمن التصميم الأساسي للموصل في حال طبق المشروع كما هو مخطط له، فوجد بأن العديد من القرى الشبكية المحيطة بشمالي وشرق الموصل هي التي ستدخل ضمن التوسيع.

وهي قريتا السادة وبعويزة، وكوكجلي وطهراوة وأراض تابعة لبازوايا وعلي رش وقرى شبكية أخرى، غير أن مراكز بلدات مسيحية مثل قره قوش وبرطلة وكرمليس أبعد من أن يصلها مشروع التوسعة ومع ذلك عبر سكانها عن قلقهم من توسيع حدود الموصل.

يتألف سهل نينوى من ثلاثة أقضية هي الحمدانية وتلكيف والشيخان، وكانت من ضمن المناطق المتنازع عليها بموجب المادة140 من الدستور العراقي لسنة 2005، وظلت تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية لغاية 2017، إذ حلت قوات الحشد الشعبي الشيعي محلها.

تحيط القرى الشبكية بمدينة الموصل من أقصى الشمال لغاية الشرق، في حين يبعد قضاء الشيخان 47 كيلو متراً عن مدينة الموصل وهو تابع لأقليم كردستان فعلياً منذ 1991، في حين يبعد مركز مركز قضاء تلكيف(مدينة تلكيف)عن حدود الموصل بأكثر من 12 كيلو مترا، وهي مدينة مسيحية، تحولت إلى عربية من حيث السكان بسبب هجرة المسيحيين خلال العقود الأخيرة.

أما مدينة قره قوش مركز قضاء الحمدانية، وهي مدينة ذات أغلبية مسيحية، فتبعد هي الأخرى عن حدود بلدية الموصل بأكثر من عشرة كيلو متر. وقرى الشبك وجميعها في سهل نينوى، تشغل أراض تابعة للقضائين، فضلاً عن قضاء الموصل.

اعتراض الشبك

الشبك، أكبر أقليات سهل نينوى من حيث أعداد السكان التقديرية، كانت أعدادهم بموجب التعداد السكاني لعام 1960 لاتزيد عن عشرة آلاف نسمة، وفي 1977 بلغت اعدادهم 80 الف نسمة، بعدها بعشر سنوات، كانوا قد تجاوزوا الـ 100 ألف.

 وبسبب عدم اجراء إحصاء سكاني عام منذ ذلك الحين، فأعدادهم غير معروفة على وجه الدقة، وهنالك من يقدرها بين 250 الف و 400 ألف نسمة، يتوزعون في 75 قرية بسهل نينوى، شمالي وشرقي مدينة الموصل أبرزها(علي ره ش، دراويش، بازوايا، خزنة، كوكجلي، فاضلية، خرابة سلطان، طوبزاوة، طيراوة، السادة وبعويزة، كبرلي، تيس خراب، باسخره، شيخ أمير، بدنه).

غالبيتهم من المذهب الشيعي الجعفري، والبقية من المذهب السني، لديهم لغة غير مكتوبة خاصة بهم، تٌعد خليطاً بين اللغات الفارسية والتركمانية والعربية والكردية، وهي سبب تسميتهم بالشبك، أي”تشابك اللغات” كما يعتقد البعض.

غير أن الكاتب والباحث مجيد عبد الله،  لديه رأي آخر بشأن التسمية ونشوء الشبك بنحو عام، إذ يقول بأن الشبك خليط من قوميات مشرقية اجتمعت في قرى بسهل نينوى”وبسبب تواجدهم بين المسيحيين، وقوميتين كبيريتين هما العربية والكردية فضلاً عن الايزيدية والتركمان، فأنهم تعرضوا للإضطهاد والانعزال، لتتكون لهجتهم الخاصة بهم والتي هي خليط من لغات ولهجات المحيط”.

ويقول بأن ما يميز الشبك فضلاً عن لغة وثقافة وعادات أبنائه الخاصة، أنهم يتواجدون فقط في العراق، وغالبيتهم كانوا مزارعين ومربو ماشية وكانت تلك صفة تميز قراهم، وأنهم سكنوا كذلك في الجانب الأيسر لمدينة الموصل في مناطق”الكرامة والقدس وعدن وكراج الشمال والنبي يونس والنور وسماح”.

وبسبب أن غالبيتهم من الشيعة، أصبحوا وبدءاً من سقوط النظام العراقي السابق في 2003 هدفاً للجماعات الدينية المسلحة التي عدتهم كفاراً، كالقاعدة وأنصار الإسلام وأخيراً داعش”قتل وخطف منهم الآلاف، فاضطروا لمغادرة الموصل، ولجأوا إلى القرى التي ينحدرون منها في سهل نينوى”.

وفي حزيران 2014، لاحقهم تنظيم داعش إلى هناك بعد سيطرته على محافظة نينوى بالكامل”فلم يكن أمام الشبك ولا سيما الشيعة سوى النزوح نحو المدن الجنوبية مثل كربلاء والنجف، وبعضهم استقر في إقليم كردستان، وفقدوا كل ما يملكونه من أموال منقولة وغير منقولة” يقول مجيد.

ويضيف:”بعد ذلك تم تشكيل لواء من الشبك الشيعة في الحشد الشعبي يطلق عليه اللواء 30، رأسه البرلماني الراحل وعد القدو، ثم ناب عنه شقيقه رعد القدو، وسيطرت هذه الميلشيا المسلحة على سهل نينوى في اعقاب انسحاب قوات البيشمركة منها في 2017″.

ويلفت إلى أن اللواء 30، أخذ يمنع أي شخص من غير سكان سهل نينوى بتملك العقارات فيها شراءً، أو التصرف بعقار يملكه من قبل هناك، بذريعة منع التغيير الديموغرافي.

ومع أن السلطات المحلية في نينوى وحتى بغداد، تؤكدان بان توسيع حدود الموصل بإتجاه سهل نينوى حيث قرى الشبك، سيحقق التنمية هناك، ويرفع قيمة الأراضي وتوفير فرص العمل، إلا أن الشبك يقابلون ذلك بالرفض.

إذ يذكر عضو مجلس النواب وقائد اللواء 30 الشبكي في الحشد الشعبي وعد القدو، بأن المشروع لن ينفذ دون موافقة سهل نينوى ذات التركيبة المعقدة التي تضم الشبك والمسيحيين والتركمان والإيزيدية.

وأنه بوصفه ممثلاً عن الشبك، لن يتخذ القرار بنحو فردي، بل سيعمل على تنظيم مؤتمر يضم شخصيات شبكية من رجال الدين والتجار والإداريين في المؤسسات الحكومية والمتخصصين في القانون للخروج بقرار جماعي موحد.

وبعدها سيدعو الى تنظيم مؤتمر آخر، يضم ممثلين عن المسيحيين والتركمان والإيزديين، ومن ثم اللجوء إلى محافظة نينوى إما برفض المشروع أو الموافقة عليه وفقاً لشروط تلبي مصلحة أبناء سهل نينوى.

وبدا أن القدو منفتح على الموافقة على توسيع التصميم الأساسي بإتجاه سهل نينوى مقابل شروط يقول بأنه اتفق بشأنها مع محافظ نينوى عبد القادر الدخيل في 21 مار/آذار2024. وهي “إنشاء طريق حولي يمر عبر سهل نينوى والعمل على ادخال بعض المشاريع الزراعية والصناعية للمنطقة والتي من شأنها أن تدفع عجلة التنميه فيها” . ولم يصدر عن محافظة نينوى تعليق عما ذكره القدو.

بينما عبر النائب السابق عن الشبك قصي عباس، عن رفضه المطلق للمشروع، وعده مخالفاً للدستور العراقي “المادة 23/ثالثاً/ب، ترفض تنفيذه، لأنها ستحدث تغييراً ديموغرافيا، والمحكمة الإتحادية فسرت هذه المادة، بمنع توسيع حدود البلديات نحو المناطق التي فيها أقليات”.

وذكر بأن نحو 15 عشر قرية شبكية محاددة أو ملاصقة لحدود الموصل من الشمال والشرق، في حين أن هنالك مساحات من الأراضي غير مشغولة باتجاه غرب وجنوب الموصل يمكن توجيه التوسيع نحوها، وإنشاء مدن عصرية فيها، على حد تعبيره.

وطالب قصي، بمعاملة الشبك بنفس ما يعامل به المسيحيون”لم يتم توسيع التصميم الأساسي لأي من مدن المسيحيين منذ 2003، وذلك استنادا للمادة 23 من الدستور العراقي” وهدد بأن الشبك سيلجاون في حال تم الإصرار على مشروع التوسيع باتجاه قراهم في سهل نينوى، إلى المحكمتين الإدارية والإتحادية.

ويصف عضو مجلس محافظة نينوى عن كوتا الشبك، محمد عارف الشبكي مشروع توسيع حدود الموصل بأنه مخالف للمادة 23 من الدستور العراقي التي قال بأنها “تمنع التغيير الديموغرافي والتجاوز على مناطق المكونات”على حد تعبيره.

واتهم القائمين على المشروع بأنهم يستهدفون مناطق سهل نينوى، وأنه سيشمل مناطق الشبك والمسيحيين والكاكئية والتركمان”قرى ناحية برطلة، والسلامية وتلكيف وبعشيقة” وكلها أراض زراعية خصبة.

ودعا إلى أن تكون التوسعة باتجاه جنوب الموصل حيث ناحيتا القيارة وحمام العليل، سكانهما من العرب، غالبيتهم من قبيلة الجبور، وذكر الشبكي بأن تلك الأراضي “صحراوية وليست زراعية كما في سهل نينوى”.

وأكد بأن أعضاء المجلس المعارضين للمشروع سيصوتون برفضه، وفي حال عدم تحقيقهم الأغلبية المطلوبة سيلجأون إلى المحكمة الإتحادية، “لن نقبل  بالتغيير الديموغرافي والتجاوز على حقوق أهالي المكون الشبكي والمكونات الأخرى في المنطقة”.

يقول المحامي غانم سلام، أن توسيع مدينة الموصل بمقدار سبعة كيلو متر في كل الاتجاهات يعني بأن الكثير من أراضي سهل نينوى ستدخل ضمن حدود بلدية الموصل، وبالتالي لن يحق لسكان سهل نينوى تملك العقارات في أراضيهم !.

ويوضح:”يشترط تحويل ملكية العقار في الموصل أن يكون المرء من مواليدها، أو ما يعرف بشرط مسقط الرأس، وهذا يعني بأن المولود في سهل نينوى، لن يحق لأبنائه الذين يتبعونه في السجل المدني، امتلاك عقار في المناطق التي دخلت في التوسعة، لأن مسقط رأسهم في سهل نينوى وليس الموصل !”.

وقال بأن ذلك سيشمل الشبك على وجه الخصوص، لأن قراهم تحيط بالموصل من الشمال حت أقصى الشرق ، وذلك لن يتسبب بمشكلة للمسيحيين، لأن بلداتهم قره قوش وبرطلة وغيرها، أبعد قليلا، وقد لاتصلها التوسعة، لكن سيكون بوسع الشبك التملك هناك، لكونهم من سكان سهل نينوى، وهذا يعني احداث تغيير ديموغرافي في مناطق المسيحيين.

وذكر بأنه في حال تم الاصرار على توسيع الموصل لتدخل في سهل نينوى، فلا بد أن يعدل مجلس النواب العراقي القانون، بحيث يحق لسكان سهل نينوى الذين وصلهم التصميم، تملك العقارات في الموصل.

إقرأ أيضا: دماء المتبرعين تبقيهم على قيد الحياة.

المحكمة الإتحادية

الشبك والمسيحيون بحد سواء فضلا عن باقي الأقليات في سهل نينوى، يعولون على تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 23/ثالثاً/ب من الدستور العراقي لسنة 2005 والتي تنص على”حظر التملك لأغراض التغيير السكاني” وذلك بموجب قرارها رقم 65 الذي صدر في 23/3/ 2013.

معد التحقيق حصل على نسخة من هذا القرار الذي فسر المادة الدستورية بالنحو التالي: “يعني ذلك ان الدستور العراقي تمليك أو تملك الأشخاص أفراداً أو جماعات للعقارات بكل اجناسها وانواعها وفي أي مكان من أرجاء العراق سواءً كان ذلك على مستوى القرية أو الناحية أو القضاء أو المحافظة وبأي وسيلة من وسائل التملك او التمليك، ذلك إذا كان وراء ذلك التملك أو التمليك هدف أو غاية التغيير السكانية وخصوصياته القومية والأثنية أو الدينية أو المذهبية وما شاكل”. 

وأشار القرار إلى أن المادة 23/ثالثا/ب، من الدستور مقيدة للمادة 23/ثالثا/أ التي أجازت للعراقي تملك العقار في أي مكان من العراق “وذلك لأن المادة 23/ثالثا/ب وردت بعد المادة 23/ثالثا/أ في الدستور، من حيث الترتيب التدويني ولأنه كما تقدم ورد بصيغة المطلق، والمطلق يجري على إطلاقه”.

مقترحات

ناشطون مدنيون من الشبك في سهل نينوى، عبروا عن أسباب رفضهم لمشروع تحديث وتوسيع التصميم الأساسي لمدينة الموصل، عبر منشور تداولوه في وسائل التواصل الاجتماعي، أكدوا فيه أن أراضي سهل نينوى صالحة للزراعة وينبغي المحافظة عليها وعدم”العبث بها بتحويلها إلى سكنية”.

 واتهموا الحكومة المحلية في نينوى بالتخطيط المسبق لضم مناطق في سهل نينوى للموصل، من خلال “الإهمال المتعمد وعدم تخصيص الأموال لتطوير الأقسام البلدية والوحدات الإدارية فيها بما يتوافق والكثافة السكانية فيها.

واقترحوا بأن يتم توجيه التوسيع نحو مناطق أخرى في غرب وجنوب الموصل أو الإعتماد على التوسعة العمودية، وحذروا من أن يؤدي التوسيع في حال تنفيذه باتجاه سهل نينوى إلى نزوح جماعي لأهالي قرية كوكجلي الشبكية الملاصقة لمدينة الموصل، لأن غالبيتهم مربو ماشية ورعاة:”وتقع فيها حظائر الماشية، وهو نشاط ممنوع داخل مدينة الموصل، إذ سيتم ازالتها في حال دخلت القرى ضمن مدينة الموصل”.

كما أقترحوا كذلك، الاهتمام بأحياء ومناطق داخل مدينة الموصل، تعاني من سوء الخدمات وعدم وجود بنية تحتية صحية أو مدرسية فيها”بدلاً من الاهتمام بضم أراضي سهل نينوى”. وتسائلوا:”بلدية الموصل كانت قد أعلنت منتصف 2021، عن استحداث مدينة جديدة مساحتها 26 ألف دونم جنوب الموصل، لماذا لايتم إنشاؤها؟”.

ودعوا إلى تفعيل قرار مجلس الوزراء رقم (425) لسنة 2012 الذي أوصى باستحداث ناحية بازوايا وربطها بقضاء الحمدانية، واستحداث بلديات جديدة في المنطقة. يذكر أن قرية بازوايا الشبكية تم تحويلها سنة 1972 إلى ناحية، والغيت بعدها بأربعة سنوات فقط.

وحذروا من أن يؤدي الإصرار على تنفيذ مشروع التوسيع، إلى تهديد السلم الاجتماعي في سهل نينوى، والقيام بدلاً من ذلك، بتطوير مناطق سهل نينوى والمحافظة على الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية فيها.

عدنان(34 سنة) مربي ماشية من قرية كوكجلي شرق الموصل، يشعر على الدوام بأنه مهدد في عمله وسكنه”أضطررت للهرب مع عائلتي عدما دخل داعش قريتنا في 2014، وخسرت كل ما املك حينها، وبعد عودتي في أواخر 2016 استطعت البدء من جديد، لكن مشروع توسيع الموصل سيعني فقدان كل شيء مجدداً”.

وسبب تخوفه هذا، أن تربية المواشي ممنوعة في المدينة، ودخول كوكجلي واعتبارها حياً سكنيا تابعا للموصل سيعني تطبيق القوانين عليها”أين أذهب بأبقاري وخرافي؟ هنا منزلي وحظيرتي والمكان الذي ولدت فيه، فإما أتوقف عن ممارسة المهنة التي لا اعرف غيرها أو أنتقل إلى مكان آخر، وهذا ما لا أقدر عليه”.

المسيحيين

تقدر أعداد المسيحيين المتواجدين في سهل نينوى بين 50 إلى 60 ألف نسمة. موزعين في بلداتهم التأريخية كقضاء الحمادنية ومركزها بغديدا(قره قوش)وبلدة كرمليس وناحية برطلة، وفي بلدات وقرى قضاء تلكيف.

 وهم يشكلون فقط 40% من أعداد المسيحيين قبل سيطرة داعش على سهل نينوى في 2014. في حين أن سكان قضاء الحمدانية لوحده، كان يبلغ في سنة 1979 (54)ألف نسمة. 

إذ كان المسيحيون قد نزحوا عن سهل نينوى، نحو أقليم كردستان وبغداد وهاجر قسم كبير منهم إلى خارج البلاد، وبعد اكمال تحرير نينوى من داعش في 2017، لم يعد منهم سوى 40% فقط إلى مناطقهم.

لويس مرقس أيوب، ناشط في مجال حقوق الأنسان والأقليات في سهل نينوى،  يقول بأن مشروع توسيع التصميم الأساسي لمدينة الموصل بإتجاه سهل نينوى، ليس أول مشروع يستهدف المنطقة التي كانت ذات يوم تسكنها أغلبية مسيحية.

ويشير إلى أن المسيحيين تعرضوا إلى ما يصفه بالصهر عبر مراحل متعددة:”لم يكن هجوم داعش على مناطقهم هي الهجمة الوحيدة، فقبلها كانت القاعدة تشن هجماتها عليهم، إضافة إلى السياسات التي مورست ضدهم”.

 والقوانين التي صيغت في عهد النظام السابق ومازالت فاعلة لغاية الآن، على حد قوله، ويلفت إلى أن بعضها أحدثت تغييراً ديموغرافيا في مناطق المسيحيين “بإسكان مواطنين من مناطق أخرى في بلداتهم باستقطاع مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية وتوزيعها عليهم “.

ويذكر بأن ذلك بدأ منذ 1980 واستمر لغاية سقوط النظام السابق في 2003، وكان الهدف هو”صهر المكونات في سهل نينوى في بودقة الفكر القومي العروبي الواحد. وبعد 2003 لم يكن هنالك استقرار سياسي، ونشبت صراعات في منطقة سهل نينوى، وصدرت قرارات بين حين وآخر  لقضم أراضي المسيحيين، تارة لتوزيعها لعائلات الشهداء، وبناء أحياء جديدة بدلا من المدمرة في الموصل، وأخيرا مشروع توسيع التصميم الأساسي لمدينة الموصل بسبعة كيلو متر بأتجاه سهل نينوى”.

ويؤشر خطراً آخر”أيضاً توسيع التصميم الأساسي لبلدات المسيحيين نفسها، تشكل الخطر الأكبر، إذ أن ذلك سيؤدي إلى ادخال مناطق اليها، سكانها غير مسيحيين ليصبحوا من سكان تلك البلدات”.

وعن سبب نجاح سياسات التغيير الديموغرافي في مناطق المسيحيين يقول: “هذا بسبب أن تلك المناطق ذات قيمة عالية، وكون أبنائها مسالمين وغير عدوانيين، فيتم قضم أراضيهم بسهولة”.

وتطرق مرقس إلى جملة من التحديات يواجهها المسيحيون في سهل نينوى، أهمها، عدم تعويض سوى 10 إلى 15% فقط ممن سلب تنظيم داعش أموالهم أو دمر أملاكهم،  وأيضاً الصراعات القائمة في مناطق الأقليات سهل نينوى، بين حكومة المركز وأقليم كردستان”يجعل من فرص العمل في هذه المناطق ضعيفة جداً، ولهذا فكثير من العائدين بعد النزوح، يفكرون بنزوح ثانٍ إلى أقليم كرستان او غيرها من الأماكن”.

الباحث زهير دريد، يقول بأن مشروع التصميم الأساسي للموصل، هو استكمال لمشاريع أخرى عديدة إستهدفت احداث تغيير ديموغرافي في مناطق المسيحيين في سهل نينوى، وذلك من خلال الحاق وحدات إدارية تضم أقليات أخرى بمركز قضاء الحمدانية وناحية برطلة.

وأيضاً إصدار مجلس قيادة الثورة في النظام العراقي السابق قرارات تم بموجبها الأستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي العائد ملكيتها للمسيحيين وأشار إلى أحدها”قرار1235 في 21/10/1985 والذي قضى بنزع ملكية الاراضي من أصحاب حقوق التصرف بها، إن لم يقوموا بزراعتها لسنتين متواصلتين.

وقال بأن الأراضي التي انتزعت بموجب تلك القرارات، تم تقطيعها وتوزيعها على العسكريين وأبناء”العرب والتركمان والشبك والكاكائية” وأن هذا الأمر حدث في قضائي الحمدانية وتلكيف.

 يعقوب ياقو من الحركة الديمقراطية الآشورية، يصف مشروع توسيع تصميم الموصل بأنه “خنجرٌ مسموم آخر في خاصرة المسيحين وخاصرة مكونات سهل نينوى المتعايشة”. ويعتقد بأنه:”سيأتي على آخر ما تبقى للمسيحيين وباقي الأقليات من أرض في سهل نينوى. “

وتابع:”نرفض رفضاً قاطعاً أي مساس بأرض شعبنا بحجة المصلحة العامة، مصلحة شعبنا القومية ووجوده وأرضه فوق المصلحة العامة التي بحجتها ابتلعت أراضي شعبنا في السابق ويراد الآن تنفيذ نفس السيناريو الشوفيني، فيجب أن لاتغيب عن بالنا عمليات التعريب العنصرية التي نفذها النظام الدكتاتوري البائد بتوزيع الآف قطع الأراضي في مناطق شعبنا وبلداته في سهل نينوى وبناء العديد من المجمعات القسرية في قراه بإقليم كردستان”.

وقال بأن حركته، ستتصدى مع بقية الأحزاب المسيحية  لما وصفها بالأجندات  التي تهدف إلى قلع المسيحيين من جذورهم من “خلال الاستيلاء على ما تبقى لنا أرض في وطننا التاريخيّ بلاد اشور عراق اليوم”.

فادي هرمز(35سنة)كاسب من قره قوش، مركز قضاء الحمادنية، والتي تعرف كذلك باسم بغدادا، يقول بأن تنظيم داعش سرق ممتلكاته المنقولة وأحرق منزله في 2014، وأنه نزح إلى محافظة أربيل بأقليم كردستان مع عائلته وحصل على فرصة للهجرة إلى استراليا، لكنه تخلى عنها من أجل العودة إلى بلدته.

غير أنه لا يشعر بالأمان مطلقاً، حسبما يقول، بسبب الضغوطات التي قال بأن المسيحيون يعانون منها ولاسيما تضييق النطاق على مناطقهم من قبل أقليات أخرى كالشبك، كانت تشكل أقلية بالنسبة للمسيحيين قبل عقود”لكنها الآن تمثل الأغلبية ونحن الأقلية بسبب هجرة المسيحيين المتواصلة”.

وهو يعد توسيع التصميم الأساسي للموصل، تهديداً كبيرا بل”تجريفا ديموغرافيا للمسيحيين”وفقاً لتعبيره، وانتقد الآراء التي تقول بأن البلدات المسيحية بعيدة عن خطة التوسيع بقوله:”لأنهم لايعرفون بان الحدود الإدارية والبلدية لقضاء الحمدانية مجاورة لقضاء الموصل، وكذلك الحال بالنسبة لتلكيف وبرطلة، وأي توسيع باتجاهها يعني شمولاً لأراضي هذه الوحدات الإدارية بغض النظر عمن يسكنها” ويقصد بذلك قرى الشبك.

وحذر من أن الفرد المسيحي يشعر أصلا بالقلق:”ويمكن لأي استفزاز أن يدفعه لإتخاذ قرار الهجرة، ملتحقاً بأقربائه ومعارفه الذين سبقوه واستقروا في بلدان المهجر، والإصرار على قرار توسيع حدود الموصل باتجاه سهل نينوى قد يكون دافعا جديداً لهجرة المسيحيين”.

تطمينات

يعتقد مسؤولون محليون في نينوى، بأن هنالك سوء فهم لمشروع تحديث وتوسيع التصميم الأساسي للموصل، إذ يقول مدير التخطيط العمراني، زياد عبد المنعم مصطفى، بأن المشروع في الحقيقة هو”تحديث التصميم الأساسي القديم للمدينة الذين نفذ قبل نحو أربعين سنة، مع إجراء توسيع على ذلك التصميم وليس الحدود الحالية التي وصلت اليها الموصل بعد كل تلك السنوات”.

ويبين:”طرأت الكثير من المتغيرات على التصميم القديم، إذ بنيت مشاريع ووزعت أراضي، وكل ذلك سيدخل ضمن التصميم الجديد الذي سيبدا من هذه السنة 2024 ويمتد لـ25 سنة مقبلة”.

ونفى مدير التخطيط العمراني، ما يشاع بشأن تهديد المشروع لمناطق الأقليات في سهل نينوى بقوله:”مشروع التحديث والتوسيع بأي إتجاه سيحدد بعد دراسة مستفيضة، وبناءً على الحاجة الفعلية، فقد يمتد في بعض الإتجاهات 100 متر فقط، أو كيلو متراً واحدا أو سبعة كيلومترات أو لايكون هنالك توسيع بإتجاه أطراف معينة لعدم الحاجة لذلك”.

واستبعد أن يكون هنالك توسيع كبير في الساحل الايسر للموصل أي باتجاه سهل نينوى”لأن هذا الجزء حدث فيه أصلا توسيع واكتظاظ كبيرين خلال السنوات القليلة، وقد يكون هنالك فقط تحديث للتصميم الأساسي فيها”.

مدير عام دائرة الطرق والجسور في محافظة نينوى المهندس رضوان الشهواني، يتفق مع رأي مدير التخطيط العمراني، وذكر بأن التوسيع لن يبدأ من الحدود الحالية للمدينة، بل من حدود التصميم السابق. مشيراً بذلك، إلى أن البناء الذي زاد عن ذلك التصميم يعد تجاوزا.

ويبين:”التوسعة الجديدة ستمتد تقريبا من تقاطع الشارع الذي يأتي من حي الانتصار مع شارع أربيل في شرقي المدينة، وهو ما يعني أن التوسعة لـ 7 كيلومتر قد تصل بالكاد قرية كوكجلي ولن تكون هناك قرى للشبك ضمن الحدود باستثناء قرية الكوكجلي التي باتت داخل حدود المدينة كواقع حال”.

وفيما يخص الجهات الأخرى التي سيمتد إليها التوسيع، يشير الشهواني، إلى أنها قد تشمل في الجهة الشمالية الشرقية قرية العباسية الشبكية، ومن الجهة الشمالية قريتي السادة وبعويزة”اللتين تلاصقان حدود مدينة الموصل”. وأكد حاجة تلك المناطق إلى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، وأنها لن تحصل عليها إن لم تدخل ضمن حدود بلدية الموصل.

وعاد ليؤكد”الحاجة هي التي تقرر مدى التوسعة، فلن تكون بالضرورة سبعة كيلو متر، فربما تكون باتجاه 3 أو 4 كيلومترات، وباتجاه آخر 7 كيلو متر”. وهذا ما يجمع عليه المسؤولون المحليون في نينوى.

ويتهم المحافظ عبد القادر الدخيل، المشككين بمشروع تحديث وتوسيع التصميم الأساسي، بأنهم لايمتلكون الثقافة الكافية لفهمه، ويوضح لهم:”نحن هنا أمام مشروعين وليس واحد، الأول هو تحديث التصميم الأساسي، أي تنظيم  التصميم القديم الذي إنشئ سنة 1976، وهذا سيبدأ من اليوم، في حين أن المشروع الآخر وهو توسيع التصميم الأساسي، فسيكون إضافة إلى التصميم الحالي بعد تحديثه”.

عبد الستار الحبو مدير بلدية الموصل ، يقول بأن أي تغيير لم يطرأ على التصميم الأساسي لمدينة الموصل منذ 24 سنة، لافتاً إلى أن مشروع التوسعة يعد نقلة نوعية، لكونه سيرفع المستوى المعاشي والإقتصادي والخدماتي لأبناء مدينة الموصل بنحو خاص، ومحافظة نينوى بنحو عام”دون إحداث أي تغيير ديموغرافي في أي من المناطق التي سيمشلها التوسيع”يؤكد الحبو.

شامل يونس(29 سنة) مهدنس من مدينة الموصل، يقول بأن تطمينات المسؤولين لأبناء سهل نينوى غير كافية”وما دامت هنالك مرونة في توجيه التوسيع بالإتجاه المتاح، كان الأولى بهم أن يعلنوا منذ البداية أنه لن يشمل مناطق سهل نينوى، لا أن يتسببوا للأقليات هناك بالقلق والتوجس، ولا سيما أنه تجربتهم المريرة مع داعش مازالت توجعهم”.

وذكر بأن واقع نينوى التي خرجت من احتلال داعش مدمرة، وسكانها بين نازحين ومهاجرين، يستدعي التقريب بين المكونات وتعزيز ثقتها بمحيطها “وليس التفريق بينها أو استفزازها”.

ويرى شامل بأن توسيع الحدود بإتجاه سهل نينوى، سيساعد على إنشاء بنى تحتية حكومية هناك، من طرق حولية وغيرها، لكن بالمقابل ستكون الضئريبة باهظة”لأن سهل نينوى يقع ضمن الخط المطري، وأراضيها هي الأخصب على مستوى العراق، وفيها عدد كبير من  رؤوس الماشية، ومشاريع الدواجن المتكاملة من قاعات تربية ومفاقس ومجازر ومعامل علف ومخازن”.

ويستدرك:”سنخسر كل ذلك لو امتد اليها الزحف الكوكنكريتي لمدينة الموصل”. لذلك فهو يدعو إلى أن ينفذ مشروع التوسيع بنحو يحمي مصالح جميع السكان وبموافقتهم، لا أن يجبروا عليه، لتتحول إلى مشكلة مجتمعية”تزيد من الفرقة القائمة أصلاً”.

  • أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الأستقصائية.
زر الذهاب إلى الأعلى