تحقيقات

القلق من تدهور الأمن أم قلة فرص العمل، لماذا يفضل مسيحيو العراق الهجرة إلى الخارج؟

فريق نينوى الاستقصائي

أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة

الاستقصائية، وموقع ضوء تنشره بناءً على اتفاق مع شبكة نيريج  للتعاون المشترك.

الكنيسة في العراق انتبهت وقبل نحو عقدين من الان، أن الوجود المسيحي في العراق بات مهدداً

بسبب الهجرة المتواصلة منذ انهيا النظام العراقي السابق في نيسان 2003 ولغاية الآن، إذ كانت

تقديرات تشير إلى ان اعداد المسيحيين وقتها كانت تبلغ مليوناً ونصف المليون نسمة، إلا ان هذا

العدد تقلص بنحو كبير لتبلغ اعداد المسيحيين نحو 400 ألف نسمة فقط.

وهذا ما يقوله على وجه التحديد العضو المؤسس لتحالف الأقليات العراقية لويس مرقوس أيوب،

مشيراً إلى انهم أي المسيحيين يتواجدون في مناطقهم التأريخية بسهل نينوى ولاسيما في بلدات

قره قوش(بخديده)وبرطلة وألقوش فضلاً عن مدينة الموصل مركز محافظة نينوى(405كم شمال

 بغداد) التي تضم 35 كنيسة ومدرسة دينية  مسيحية قديمة.

سهل نينوى

كما تشير تقديرات غير رسمية، أن 20 ألف عائلة مسيحية كانوا يعيشون في مدينة الموصل سنة 2003،

وظل العدد هذا يتناقص وصولا الى سيطرة داعش على المدينة صيف 2024، إذ لم يكن فيها سوى

5000 آلاف مسيحي تركوا المدينة جميعهم، وحتى بعد تحرير الموصل في تموز 2017، لم يعد من

المسيحيين اليها سوى أقل من 100 شخص فقط.

أما في سهل نينوى، فكانت تعيش ما يقرب من 30 ألف عائلة مسيحية في 2003، لم يبق منها قبل سيطرة

داعش على نينوى  سوى 15 ألف عائلة، نزحت كلها إلى أقليم كردستان أو هاجرت إلى خارج البلاد.

استبيان

معدة التحقيق نظمت استبياناً شارك فيه 128 مسيحياً من مناطق متفرقة من سهل نينوى، تضمن

عشرة أسئلة، تغطي عن الهجرة وأسبابها والتحديات التي تواجه المهاجرين، وشملت الأسئلة الأمن،

 الفرص الاقتصادية، التعليم/ الخدمات الاجتماعية.

بدأ الأستبيان بسؤال يتعلق برغبة المسيحي في الهجرة إلى خارج البلاد، وكانت النسبة بين الراغب

بالهجرة وغير الراغب والممتنع عن الاجابة كما مبين في المخطط التالي:

إذ أبدى 62 شخصاً ، الذين تعادل نسبتهم 48% من المشاركين في الأستبيان، عن رغبتهم الفعلية

في الهجرة إلى خارج العراق، وهي نسبة كبيرة تؤشر رغبة جمعية في الهجرة تصل إلى حدود النصف،

 مما يؤكد المخاوف بشأن تهديد جدي قائم ومستقبلي للوجود المسيحي في البلاد.

ولكن،  متى فكر هؤلاء المسيحيون بالهجرة؟، وكان هذا هو محور السؤال الثاني في الأستبيان كما هو

 واضح في المخطط التالي:

التفكير بالهجرة

ويتضح أن 32% ممن شاركوا في الأستبيان فكروا بالهجرة منذ سنة 2014، و20% فكروا في

 ذلك سنة خلال السنوات التالية وصولا إلى سنة 2024، وتتعدد الأسباب والدوافع وراء الهجرة،

بعضها استجد عقب تحرير سهل نينوى من داعش في 2016، كميل الكفة لأقليات أخرى على

حساب المسيحيين، مثل الشبك، أو قلة فرص العمل أو عدم الشعور بالأمان ولاسيما بعد حريق نشب

في قاعة للمناسبات ببلدة قره قوش في 26أيلول/سبتمبر 2023 وراح ضحيته العشرات من المسيحيين،

 مع أن الجهات الأمنية أكدت بأنه نجم عن حادث ولم يكن نتيجة عمل إرهابي.

ندى(34 سنة)كانت معلمة في مدرسة ابتدائية بقره قوش، واحدة ممن دفعت ثمناً غالياً لوجودها بتلك

القاعة ذلك اليوم، إذ كانت المناسبة حفل زفاف لقريبة لها، وكانت برفقة زوجها وأطفالهما الثلاث عندما

حدث كل شيء بسرعة كبيرة، وحاصرتهم النيران من كل مكان.

تقول بحرقة:”مرّ كل شيء بسرعة، أسرع من الضوء والصوت”، تتجمع الدموع في عينيها

 وهي تواصل:”خسرت طفلتي نغم، كانت جميلة ورائعة بعمر ثمان سنوات”، ثم أضافت بنبرة

معاتبة نفسها:”ولا أعرف لم نجوت أنا، فقد أصبت بحروق فقط”.

تلك المآساة تركت ندوباً عميقة في نفس ندى، وقررت السفر مع زوجها وطفليهما إلى الأردن وتقديم

 طلب لجوء إنساني إلى الأمم المتحدة هناك، بهدف الذهاب إلى أستراليا حيث تعيش شقيقة لها منذ أربع

سنوات في مدينة ملبورن. 

نجونا من كل الأحداث

تقول ندى:”أقدمنا على هذه الخطوة، بسبب الأحداث الأمنية الصعبة والفساد الذي يسود مدينتي

والعراق بصورة عامة، نجونا من كلّ الأحداث التي مرّت علينا، منها فاجعة حافلات قتل  فيها طلبة

مسيحيون قبل 2014 وهجوم داعش على مدينتنا، وقضينا ثلاثة أعوام في محافظة أربيل وعدنا

 وبدأنا حياتنا من الصفر حتى استطعنا الاستقرار لكننا خسرنا طفلتنا الصغيرة في تلك القاعة التي

 لغاية الآن لا نعرف شيئا عن التحقيق الذي قالت الجهات الأمنية أنها أجرته لمعرفة كيف حدث

 الحريق”.

وتضيف بمرارة:”الحياة في الأردن صعبة جداً، هنالك بعض المساعدات التي تقدمها الكنائس لكنها

لا تفي بالغرض والحياة مكلفة جداَ هنا، لكننا سننتظر”.

                                                  لماذا يهاجر المسيحيين

تتعدد الأسباب الكامنة وراء هجرة المسيحيين، ورغبة الكثير من الباقين منهم في الهجرة، وهذا

 ما تقصاه الأستبيان عبر السؤالين التاليين:

 الأوضاع السياسية تقف في مقدمة الأساب وراء هجرة المسيحيين من العراق، إذ يربط الكثيرون

 منهم بقائه في البلاد بتحسنها كحل وحيد للعدول عن الهجرة. ولكن لماذا تشكل الاوضاع السياسية بهذه

الاهمية بالنسبة للمسيحيين؟

العديد ممن تواصلت معهم معدة التحقيق، اجمعوا في إجاباتهم،  بما يفيد أن الأوضاع السياسية تشكل

منظومة يرتبط بها الأستقرار والأمن والأقتصاد،  وتحسنها يعني ضمان كل ذلك.  

يقول ا. ج.(29 سنة)من قره قوش، بأنه يسمع بمصطلح الأوضاع السياسية منذ أن كان طفلاً والى

 الوقت الحالي، لذا فهو يعتقد بأن كل شيء في العراق مرتبط ارتباطا وثيقا بهذا الجانب ومتى تحسن

 واستقر تحسنت أوضاع العراقيين عامة.

وبخصوص الاوضاع السياسية للمسيحيين على وجه الخصوص، فأن النائب السابق جوزيف صليوا

يقول “لا وجود لتمثيل مسيحي كلداني – سرياني – آشوري في العراق وفي الإقليم على الرغم من

 وجود كوتا(حصة) لهم، لكنها لا تمثل المسيحيين، وإنما تمثل أحزاب السلطة في الحكومتين

في بغداد وكردستان العراق على حد سواء”

ويضيف:”هم يجلبون شخصيات هي عبارة عن دمى، أسماؤهم مسيحية، وديانتهم مسيحية، ولكن

 أجنداتهم تتبع أجندات تلك الأحزاب السلطوية”على حد تعبيره. ويتابع:”الغريب أن رموز السلطات

اليوم كانوا يعانون من معادلة التمثيل الشكلي حين كانوا في المعارضة قبل 2003 ، لكنهم اليوم

يعاملون المسيحيين بالطريقة نفسها، بجلب أشخاص ليجعلوا منهم أدوات قمعية يضربون كينونة الوجود

 الكلدو آشوري – السرياني المسيحي، ويكونون اليد الضاربة بيد أصحاب السلطتين في بغداد والإقليم،

 وبأسم مقاعد الكوتا المسيحية، لذ فالنتيجة هي أنه ليس هنالك أي تمثيل مسيحي حقيقي، وما من حماية

 للكوتا التي وضعت على أنها تمييز إيجابي، وقد طرحنا آليات لمعالجة ذلك، ولكن لم يتم قبولها

حتى هذه اللحظة”.

قلق دائم

ماتحدث به صليوا، يكاد يتكرر في أي حوار بهذا الشأن مع المسيحيين في سهل نينوى، إذ يلاحظ انهم

 يعيشون حالة من القلق، ومتخوفون من عدم الاستقرار السياسية وبالتالي عدم حصولهم على حقوقد

 متساوية مع باقي المكونات في البلاد.

وعند سؤالين تضمنهما الأستبيان، عما إذا كان الوضع الحالي يؤثر على وجود الاقليات الدينية

 ومن بينها المسيحيين، فضلاص عن إجراءات الحكومة لحمايتهم، جائت النتائج كالتالي:7

وبهذا نجد أن 65 مشاركا في الاستبيان، يعتقدون بأن الحكومة لاتبذل جهودا كافية ولاتحمي التراث

 الثقافي والديني المسيحي،  بما في ذلك المواقع التاريخية والاثرية، إذ توجد محاولات لتوسعة

التصميم الاساسي لمدينة الموصل على حساب بلدات الشبك والمسيحيين في سهل نينوى.

والمسيحيون قلقون من التغيير الديموغرافي مما يعني تهميشهم بناء على قلة اعدادهم في المنطقة،

ومحو هويتهم الثقافية بالمستقبل، وأيضا المخاوف الأمنية هي أحد الأسباب، خاصة في ظل التوترات

 الطائفية المستمرة، فالتوسعة قد تؤدي الى تسهيل دخول جماعات مسلحة أو متطرفة الى مناطقهم،

وهذا أمر يخشاه الكثيرون هناك.

ومع أن الحكومة تسعى لبناء الاستقرار والأمان وتعزيز الاوضاع الامنية في نينوى من خلال

 العمليات العسكرية وكما راينا في تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش وارجاع الامن والاستقرار

 لهذه المنطقة  الا ان عدداً كبيراً من المسيحيين يرون أن هذه الجهود غير كافية وأن مناطقهم غير

مستقرة تمام.

وبالعودة إلى العضو المؤسس لتحالف الاقليات العراقية، لويس مرقوس أيوب، فهو يؤكد بأن المخاوف

 لدى مسيحيي الموصل الذين تركوها نازحين او مهاجرين اثر غزو داعش، هي أكبر من مخاوف

المسيحيين في سهل نينوى، ويبين وجهة نظره:”لأنهم رأوا التطرف واستعباد داعش لهم وتسليب

أموالهم، فاحدث كل ذلك فيهم ردة فعل بفقدان الثقة بوجود سلطة قوية لحمياتهم وهذه نقطة أساسية”.

أما السبب الثاني الذي يسوقه فهو:”عدم وجود قوانين تحمي المكون المسيحي وتعطي لأفراده الحق

 كمواطنين من الدرجة الاولى حالهم حال المواطنين الآخرين، فالأقليات في العراق مواطنون من

 الدرجة الثانية ويوجد تمييز يمارس ضدهم ولاتعطى اليهم الحقوق في الوظائف والدرجات الخاصة

في مركز محافظة نينوى”.

ويضرب على ذلك مثالاً:” هيكلية الإدارة في محافظة نينوى تتشكل من محافظ ونائبين  وعدد من

 المستشارين  والمعاونين، لكننا لا نجد في هذه الهيكلية أية شخصية من المكون المسيحي”. 

أما بالنسبة للاعمار، فيعتقد بأن الدور الحكومي صغير في هذا المجال، وان الجهود المبذولة في

 بناء وإعادة اعمار المنازل والمتاجر التي دمرها داعش او خلال حرب التحرير منه، قد

بذلت من قبل”المنظمات والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي تعمل إلى حد هذا اليوم”. ويستدرك

“لذلك يرى الكثير من المسيحيين أن الدعم الحكومي للمكون المسيحي ضعيف ولا يتعدى الشعارات”.

ويتابع:”هم يستدلون في ذلك على وقائع، منها التعويضات المخصصة على سبيل المثال للعائدين

بعد تحرير مناطقهم، فهي ومنذ أكثر من سبع سنوات على عودة البعض لم تمنح اليهم، وحتى الذين

 استلموها، كانت مخيبة بالنسبة اليهم، فلم تكن توازي خساراتهم المادية الكبيرة”.

الكنيسة والهجرة

مريم (35 سنة)أم لثلاثة أطفال، كانت تعيش في الموصل قبل نزوحها معهم إلى محافظة دهوك

 بعد سيطرة داعش على نينوى في حزيران/يونيو2014، كانت تفكر جديا في الهجرة الى

استراليا حيث يعيش عدد من اقاربها، لكن بسبب تدخل الكنيسة المحلية التي قدمت لها الدعم

والمساعدة اللازمة، قررت مريم البقاء في العراق، وفقاً لما ذكرت.

الكنيسة وفرت لها مسكنا مؤقتاً وساعدت أطفالها على الالتحاق بالمدارس،  وبعد تحرير الموصل

 بالكامل سنة 2017، عادت مريم الى الموصل، وبدأت بالمشاركة في انشطة الكنيسة لاعادة بناء

 المجتمع. ولكن هل تعارض الكنيسة هجرة المسيحيين بنحو حقيقي؟ طرحت معدة التحقيق سؤالاً

محدداً عن دور الكنيسة في الاستبيان وقد اظهرت النتائج تنوعا في الآراء والمواقف بالنحو التالي :

52 شخصا اي 40.6% (الجزء الاكبر من المشاركين) يرون بأن الكنيسة لاتشجع على الهجرة.

 لأسباب عدة، كالحفاظ على الهوية الدينية والثقافية، إذ تعد نينوى موطنا تاريخيا للمسيحين وتضم

مواقع دينية وأثرية تعود لقرون.

الكنيسة لاتشجع على الهجرة

يقول ث . م (66سنة)طلب الإشارة على أسمه بهذين الحرفين، وهو مدير مشروع تابع لمنظمة

إنسانية في قضاء الحمدانية،  ان الكنيسة لا تشجع على الهجرة بل “تحاول بكل جهدها توفير خدمات

 ومساعدات للحفاظ على وجود المسيحيين في هذه المنطقة”.

ويرى بان تشجيع المسيحيين على البقاء يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية والتضامن بين افراد

 المجتمع مما يساعد في بناء مجتمعات قوية ومستقرة”، ويقول بأن المنيسة في سبيل ذلك تسعى

 إلى دعم المسيحيين المحليين من خلال توفير المساعدات الانسانية والمشاريع التنموية التي تساعد

في تحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

فضلاً عن:”الدعم الروحي والنفسي الذي توفره الكنيسة لمساعدتهم على تجاوز الصعوبات

 والتحديات التي يواجهونها، مما يعزز من قدرتهم على البقاء في موطنهم بغرس الأمل والتفاؤل

في نفوسهم بمستقبل أفضل للمجتمع المسيحي في نينوى”.

وأفاد البعض الاخر بأن الكنيسة وعبر تشجيعها للمسيحيين على البقاء في المنطقة تهدف من خلال

 ذلك إلى المحافظة على التوازن الديموغرافي وعدم تركهم لأراضيهم التي قد تصبح ملكاً لمكونات

أخرى عند مغادرتهم مناطقهم، وهذا ما يفسر رفض الكنيسة شراء وبيع أراضي المسيحيين في نينوى.

وهنالك أيضا وفقاً لما قاله مسيحيون لمعدة التحقيق، عامل التاثير الايجابي على الرأي العام الدولي،

 فابقاء المسيحيين في نينوى يعزز من الدعم الدولي للمجتمعات المسيحية في العراق، مما يؤدي

الى زيادة المساعدات والدعم الإنساني، وأن الكنيسة:”تسعى لتقديم نموذج ناجح للتعايش السلمي

بين مختلف الطوائف الدينية، مما يعزز من سمعتها ومكانتها على المستيينى المحلي الدولي”وفقا

لما ذكروا.

في حين هنالك من يرى جانباً آخر في تدخل الكنيسة لمحاولة وقف هجرة المسيحيين من سهل

نينوى، ويتمثل بالحضور الديني، فالهجرة تعني قلة اعداد الحضور في الكنائس خلال

الأنشطة الدينية والاحتفالات، وتقليل الحاجة للقساوسة والمطارنة، وبالتالي يؤثر ذلك على ادارة

شؤون الكنيسة بشكل فعال فيتراجع تاثيرها الديني والاجتماعي.

وللمواطن في مدينة قره قوش س. ك، الذي يبلغ من العمر 45 سنة، قناعة تامة من أن الكنيسة

 تحاول الحفاظ على مواردها من الإنخفاض في”حال تناقصت أعداد المؤمنين، فكلما زاد عددهم

كلما زادت التبرعات، وقلتها تعني التأثير على قدرتها في تقديم الخدمات وصيانة المباني

الدينية وتوسيع أنشطتها ومشاريعها التنموية”.

 ويرى الأب أ.س، وهو رجل دين مسيحي من الحمدانية يبلغ من العمر 44 سنة، طلب الأشارة

 الى اسمه بالحرفين الأوليين فقط، أن:”الكنيسة لا تشجع على الهجرة بكل أنواعها لانها تعني

انهيارها” ثم يستدرك”لابد من الاهتمام بالبشر قبل الحجر” ويعني بذلك الجهود التي تصبها الكنيسة

 في مساعدة الناس روحيا ومعنوياً ومادياً قبل التفكير بتشييد الأبنية.

وبعودتنا إلى نتائج الاستبيان بهذا الخصوص نجد بأن 45 شخصاً أجابوا بأنهم لايعرفون موقف

الكنيسة من الهجرة، وهذا يؤشر حاجة الأخيرة إلى تعزيرالتوعية بشأن موقفها واجراءتها لدعم

 المجتمعات المحلية، كما أن هنالك من بينهم من أكد معرفته بدورها لكنه يتحفظ عن الإجابة.

وقد يعكس ذلك تردداً أو حذراً من مناقشة الموضوع أو ربما عدم وضوح للموقف الشخصي تجاه

دور الكنيسة في هذا السياق، بينما تسعة قالوا بأن الكنيسة تشجع على الهجرة، وهذه الفئة على

 الرغم من قلتها قد تعكس تجارب فردية.

أما بالنسبة للكنيسة ذاتها، فإن موقفها الرسمي رافض للهجرة، إذ حذر البطريرك مار لويس ساكو،

 من وقوع ماوصفها بـ “موجة هجرة مسيحية” بسبب تصاعد الازمات واحتدام الصراعات بنحو

عشوائي ومثير للقلق ، على حد وصفه.

وقال ساكو في مقال نشرته هيئة اعلام البطريركية على موقعها الرسمي (مار أديّ) أن هنالك

حاليا 1200 عائلة مسيحية مهاجرة في تركيا، 1000 في الاردن و2500 في لبنان، وبين:

“الهجرة ليست بطراً، بل هي ضرورية أحيانا لإنقاذ الحياة أمام تهديد موحش وخطر محدق.

 إنني أقصد هنا ظاهرة الهجرة الجماعية”.

وذكر البطريرك، أن “الهجرة سابقاً كانت تحدث داخل البلد الواحد، اما الان فقد غدت ظاهرة عالميّة،

 تجعل الانسان يترك موطنه الاصلي، قالعاً جذورَه، راحلاً الى بلد آخر لا يعرفه، ولا ينتمي اليه.

يتخلى المهاجر عن جنسيته وأحبته (أحيانا عن والديه المسنين)، وذكرياته، مفقرا ومضعفا من تبقى،

 ليبدأ بإعادة صياغة حياته وترتيبها، والتأقلم مع وضعه الجديد الذي يختلف عما ألفه، ناهيك عن

البعد عن الأهل والشعور القاسي بالغربة، وطول فترة الانتظار في دول الجوار، وغياب فرص

العمل، وما يتحمله من تكاليف باهضة لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة”.

وأوضح بنحو قاطع، أن “قرار البقاء أو المغادرة يعد قراراً شخصياً، عائلياً، تاريخياً ومصيريّاً، يجب

 أن يأتي مدروسا من كل الجوانب، فعلى المهاجر أن يدرك أنه ليس في رحلة الى الجنة، بل أنه

سيواجه عدة تحديات وصعوبات من نوع آخر، ربما ستكون أقسى، خصوصا اختلال الحريّة”

ويضيف بأن وجود المسيحيين في العراق تاريخي، فهم سكانه الاصليون، ولكن الرغم من

“كل المعاناة والضيق والأزمات المتراكمة، يجب الا تدفع الظروف الصعبة المسيحيين الى

الاستسلام أو الهجرة، بل على العكس ينبغي عليهم أن يتشبثوا بارضهم وتاريخهم وايمانهم، تمثلا

 بأجدادهم وآبائهم وقديسيهم، ونحن كرعاة نتفهم ظروفهم وقلقهم وخوفهم من المستقبل، لكن هذا

 يشمل كل العراقيين. وسنبذل كل ما في وسعنا للوقوف الى جانبهم وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم

وحمايتها”.

ودعا الحكومة العراقية الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان، إلى الاهتمام ببلدات سهل نينوى

وبلدات اقليم كردستان المسيحية، ذلك من خلال “ترسيخ المواطنة، وتطبيق القانون والعدالة،

 وتوفير الحقوق المدنية التي تساوي بين الجميع، وتوفير الخدمات وفرص العمل، والتعويض

عما فقدوه بسبب داعش وغيرها من الحروب الطائفية، انهم يهاجرون بحثا عن مستوى أفضل

 للعيش بأمان وكرامة وحرية.، لذا هم بحاجة الى تطمينات حكومية تشجعهم على البقاء

والتواصل مع مواطنيهم”.

هل من عودة بعد الهجرة؟

من المهم معرفة أين يفكر مسيحيو العراق أن يهاجروا، إذ طرق الاستبيان هذا الجانب وقد جاءت

 النتائج كالتالي:

النسبة الاكبر من المشاركين في الاستبيان يفكرون باستراليا كافضل خيار للسفر حيث يعود

 ذلك الى عدة أسباب أهمها الاستقرار والأمان اللذين لم  يجدوه في العراق بما في ذلك الاستقرار

 السياسي. وتمثل فرص العمل والجانب الاقتصادي سبباً رئيسياً في التفكير بذلك البلد لكونه

 يمتلك اقتصاداً متنوعاً وقوياً.

كذلك التفكير ببلد يؤمن بحقوق الانسان والحريات، إذ يعتقد كثير من المسيحيين أن ذلك غير

 موجود في العراق، فضلاً عن وجود جالية مسيحية كبيرة كبيرة في استراليا، هو عامل مشجع إذ

 يرى كثيرون بانهم سوف يشعرون بقدر أقل من الغربة.

كما أن عدداً من المشاركين في الاستبيان لايجدون فرقاً في المكان الذي سيهاجرون إليه، مادامت

 الأوضاع هناك مختلفة عما هي عليه في العراق.

هل سيعودون؟

وبشأن سؤال وجه للمشاركين عن تفكيرهم بالعودة بعد الهجرة، جاءت النتائج كالتالي:

67 شخصاً (52.3%)أجابوا بأنهم لايعرفون، وهو ما يعكس حالة التردد التي يعانونها، وفي

 معرض إجابته عن رؤيته لسبل وقف الهجرة المسيحية الى الخارج،  يقول رجل الدين أ.س،

من الحمدانية،  أن “الاستقرار الأمني، يعد العامل الابرز للحيلولة دون الهجرة”. وإلى جانب ذلك

 يعتقد بأن بناء البنى التحتية وتوفير الخدمات وفرص العمل للشباب ومنحهم القروض والمنح

ليفتحوا بها مشاريع صغيرة”ستعزز من وجود المكون المسيحي في العراق”.

ويقر رجل الدين بصعوبة الوضع في العراق ووجود مخاوف حقيقية بشأن مستقبل المسيحيين فيه،

 لكنه يتفق مع رأي الكنيسة بأن البقاء فيه هو شخصي وروحي. ويقول:”جذورنا، وكنائسنا هنا،

وأشعر أن من واجبي أن أكون جزءاً مساهما في إعادة بناء المجتمع بعد كل ما مر به”.

يتأمل قليلاً قبل أن يضيف:”برأيي الشخصي، فإن الهجرة ضياع للهوية، لأننا نترك عندها

 أرض الآباء والأجداد، وهم مروا بنفس ظروفنا لكنهم تجاوزوها بحبهم لأرضهم”.

ملاحظة:غالبية الذين ادلوا بشهاداتهم طلبوا إخفاء أسمائهم الأصلية، لأسباب ومخاوف خاصة.

أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية،

وموقع ضوء تنشره بناءً على اتفاق مع شبكة نيريج  للتعاون المشترك.

اقرأ أيضا: ماهي سبل حماية الطالبات في مدارس المخيمات وقضاء سنجار من الإستغلال؟

Back to top button