تحقيقات

مهددون بالسلاح المنفلت وأذرع الجهات النافذة محامو العراق بحاجة لمن يحميهم

تحقيق أنجز بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية و cfi.

يضطر الكثير من المحامين العراقيين إلى ترك مهنتهم خوفا من استهدافهم من

من قبل خصوم غاضبين أو جهات متضررة من عملهم تملك السلاح والنفوذ،

العديد منهم فقدوا حياتهم وتم اختطاف آخرين وسط دعوات لحمايتهم بتشريع قانونهم

الجديد.

نوزت شمدين-بنين الياس

يشهد العراق منذ العام 2003 أوضاعا أمنية سيئة وفق سياسيين وحقوقيين

وناشطين مدنيين، في ظل نشاط الجماعات المسلحة وانتشار السلاح الذي يوصف

 رسمياً بالمنفلت. هذا الواقع يُهدد مهنة المحامين ويعرض الكثير منهم لخطر الإغتيال

 ولإعتداءات متكررة ومختلف أنواع الإبتزاز.

ووفقاً لممثلين عن نقابة المحامين العراقيين فأن أكثر من 100 محامٍ تعرضوا

للإعتداءات في عموم محافظات البلاد، عشرة منهم فقدوا حياتهم خلال سنة 2023

، آخرهم المحامي عدنان النعيمي، الذي قتل طعنا بالسكاكين في مكتبه بمنطقة الدورة

ببغداد في شهر تشرين الثاني 2023.

وقبلها بأشهر وتحديداً في نيسان/أبريل 2023 تعرض المحامي تحسين الكعبي، من

 بغداد، إلى محاولة اغتيال نفذها مسلحون مجهولون على خلفية قضية تتعلق

بعقارات عائلة مسيحية توكل عنها الكعبي، الذي نجا باعجوبة من الحادث لكنه

 رقد في المستشفى لجروح أصيب بها.

الحصيلة التي أعلنت عنها النقابة، هي فقط عن الإعتداءات التي بلغتها، سواءً من قبل

جهات أمنية أو لشكاوى تقدم بها المحامون، إذ أن هنالك الكثير من حالات الاعتداء

 التي لا يتم توثيقها، لعدم رغبة المحامين في تحمل تبعات ذلك وتداعياته، مع تهديدات

 شبه يومية للمحامين في مختلف محاكم البلاد، لدفعهم إلى ترك الدعاوى التي توكلوا

 بها وهذا الأمر قائمً في 2024 كذلك على الرغم من عدم اعلان أية جهة رسمية

احصائيات بهذا الخصوص وفقاً لمصدر في نقابة المحامين.

 الاعتداءات، أدت الى تصاعد الدعوات خلال السنوات القليلة المنصرمة لتعديل

 قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 لكي يواكب العصر، ويوفر للمحامين البالغ

عددهم وفقا للنقابة 84 ألف عضو، هامشاً من الحماية والحصانة ومكانة تليق بهم في المجتمع،

وفق محامين.

تعديل قانون المحاماة

عضو مجلس نقابة المحامين، أوس الطائي، يؤكد بأن الكثير من المحامين

 يتعرضون للإعتداءات والتهديدات والبعض فقدوا حياتهم بسبب “السلاح

المنفلت”. ويقول ان قانون المحاماة القديم لم يعد يلبي طموح المحامين، لأن

مواده قديمة، على الرغم من 14 تعديلٍ أجري عليه منذ صدوره قبل 59 سنة.

وذكر بأن النقابة عقدت سلسلة من اللقاءات مع أعضاء مجلس النواب لمناقشة

 التعديلات المقترحة على القانون. ويبدو أن السعي بهذا الإتجاه يمضي بنحو

 إيجابي تحت قبة مجلس النواب، إذ تمت في الجلسة رقم 11 لمجلس النواب التي

عقدت في 27 شباط/فبراير 2024 القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون

 المحاماة رقم 173 لسنة 1965، المتضمن 28 مادة.

وجاء في بيان للدائرة الإعلامية لمجلس النواب، أن  المجلس أنجز خلال الجلسة

 التي رأس جانبا منها شاخوان عبدالله نائب رئيس المجلس، القراءة الأولى لمقترح

قانون تعديل المحاماة المقدم من لجنتي “القانونية والعمل” وبدعم من منظمات

 المجتمع المدني، لمواكبة التطورات التي طرأت على المجتمع وعلى مهنة

 المحاماة ولتطوير نشاط نقابة المحامين، وبهدف وضع ضوابط أكثر دقة ووضوحا

 لمن ينتمي اليها، الى جانب تأسيس “معهد المحاماة” لرفع كفاءة المحامين

وتعزيز ثقافتهم القانونية، وتطوير مهارتهم وإعداد محامين قادرين على النهوض

 بأعباء المهنة.

وذكر البيان أن التعديل يأتي “لزيادة حصانة المحامين أثناء تأدية أعمال

مهنتهم”، ولإزالة التعارض بين أحكام القانون وإضافة بعض الاحكام الجديدة

 المتعلقة بشركات المحاماة وغرف المحامين.

لكن فريقا قانونيا، تواصل معه معدا التحقيق، وجد اختلافاً واضحاً بين نسخة

 مقترح القانون المقدم، والنسخة التي تمت قراءتها في مجلس النواب، فيما يخص

 “الإعتداء على المحامين والتحقيق معهم”.

إذ خلت النسخة التي تمت قراءتها في المجلس من بعض المواد التي كانت النسخة

 المقدمة من قبل نقابة المحامين قد تضمنتها وهي:

المادة السابعة: 1- يعاقب من يعتدي على محامٍ أثناء تأديته اعمال مهنته أو بسبب تأديته

 لها بالسجن مدة لاتقل عن سبع سنوات، دون الإخلال بأي عقوبة أشد يقررها القانون.

المادة الثامنة: يجب إخبار النقابة بأي شكوى تقدم ضد محامٍ، وفي حالة الجرم

 المشهود لإجراء التحقيق فيها، ولا يجوز استجوابه والتحقيق معه أو توقيفه لجريمة

 منسوبة اليه تتعلق بممارسة مهنته إلا بعد استحصال موافقة نقيب المحامين أو

مجلس النقابة، وعلى نقيب المحامين او من يخوله حضور الإستجواب والتحقيق.

في حين جاء في النسخة التي قرأت في المجلس ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة السابعة،

 التي نصت على “يجري التحقيق مع المحامي في مكتب التحقيق القضائي حصراً، وتعتبر

 غرفة المحامين المسجل فيها المحامي عنواناً لتبليغه”.

على الرغم من ذلك، وصفت أحلام اللامي نقيب المحامين العراقيين القراءة الأولى

 للقانون، بأنها “الخطوة الأولى للهدف الذي ينتظر الجميع تحقيقه منذ سنوات وهي

 خطوة هامة في تأريخ نقابتنا وزملائنا المحامين”.

 وقت، لتنتقل حياة المحاماة إلى عصر جديد”.

تعليقا على الاختلاف بين نسختي القانون، قال عضو اللجنة القانونية النيابية

د. رائد حمدان المالكي، خلال مؤتمر صحفي عقد في مجلس النواب، أن اللجنة

القانونية رفعت بعضاً من النصوص التي كانت تضمها النسخة المقدمة من قبل

 نقابة المحامين “لتقليل الإعتراضات على القراءة الأولى”، أي أنه “لم يتم إدراج

جميع التعديلات التي وردتنا من نقابة المحامين”.

وأكد بأن المجلس سيشرع باستقبال الملاحظات والمقترحات على القانون من

أعضاء المجلس ومن نقابة المحامين ومن المحامين بنحو عام” .وستتم مناقشة جميع

الملاحظات الموضوعية والشكلية بما فيها الصياغة، والمقترحات قبل القراءة

الثانية والتصويت.

ولفت إلى أن محاولات عدة جرت في فترات سابقة لإجراء تعديلات على قانون

 المحاماة النافذ، لكنها لم تصل أبداً إلى سياق التشريع كما يحدث الآن، ويواصل

:”بذلنا جهوداً كبيرة لإقناع الكتل السياسية واللجان ورئاسة المجلس لأهمية المضي

 بالمصادقة على مقترحات التعديل”.

المحامي علي احسان، يقول بأن التعديلات المقترحة كلها مهمة، وستعمل على

 استعادة مهنة المحاماة لشيء من مكانتها القديمة، ولا سيما فيما يتعلق بممارسته

 للمهنة ومزاحمة المحامي من قبل وسطاء وسماسرة وكتاب عرائض في عمله،

 وعدم مسؤوليته عن صحة المستندات التي يتسلمها من موكله، وتمكين المحامي

 من الاطلاع على الأوراق والملفات لدى الجهات التحقيقية وسواها، ونسبة اجوره

في الدعاوى والعقود التي ينظمها، وكذلك اجوره لدى الشركات التي يعمل مستشارا

 فيها.

ويشدد على أهمية قيام نقابة المحامين بالضغط على مجلس النواب، لضمان إدراج

المواد التي تكفل حماية المحامين من الاعتداءات أو في الأقل الإبقاء على بنود القانون

 القديم مثل، المادة 29 التي تنص على “يعاقب من يعتدي على محامي أثناء تأديته

 أعمال مهنته او بسبب تأديته بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف عام أثناء

 تأديته وظيفته او بسبب تأديتها.

لكنه عبر عن خشيته من أن لا تتم أبداً قراءة مشروع قانون التعديل، قراءة ثانية كما

حدث لقوانين أخرى عديدة مثل قانوني حماية الطفل والأسرة، بسبب عدم رغبة

جهات نافذة في أن يكفل القانون حماية المحامي:”لأن المحامي يعرف بأنه القضاء

الواقف، ومنحه الحماية وضماناتها، يضر كثيرا بالفاسدين وهم يملؤون المؤسسات

الحكومية الرسمية وحتى غير الرسمية”.

في 23تموز/يوليو2024، عقد اللجنة القانونية النيابية اجتماعاً ناقشت فيه العديد

 من مقترحات ومشرايع القوانين المحالة إليها، ومن بينها مقترح تعديل قانون

المحاماة رقم ١٧٣ لسنة ١٩٦٥ لعرضه على المجلس للقراءة الثانية

سلاح منفلت

التدريسي في كلية الرشيد الجامعة بالعاصمة بغداد، د. قاسم تركي الجنابي، يؤكد

أن المادة (٢٢٩) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، تعاقب

بالحبس الذي تصل مدته الى خمس سنوات كل من أهان أو هدد موظفا او مكلفا

 بخدمة عامة اثناء تأديته واجبات وظيفته أو بسبب ذلك.

ويذكر في مقال منشور في موسوعة قرارات التمييز، أن المادة ذاتها تعاقب كل من

 يعتدي بالإهانة او التهديد على بعض اصحاب المهن ممن نصت قوانينهم الخاصة

على ذلك، كالاعتداء على الطبيب سواء حصل الاعتداء في المستشفى أو في عيادته

الخاصة وذلك بموجب المادة (٣٢/ ثالثا/ ا) من قانون نقابة الأطباء رقم (٨١)

 لسنة ١٩٨٤. أو على المحامي سواء حصل الاعتداء في المحكمة أو في مكتبه

 الخاص وذلك بموجب المادة (٢٩) من قانون المحاماة رقم (١٧٣) لسنة

 ١٩٦٥. أو على الصحفي، اذا كان الاعتداء عليهم قد وقع اثناء تأدية المهنة

 او بسببها.

ويوضح أن الدعوى في مثل هذه الجرائم تُحرك بدون شكوى لأنها “من جرائم

الحق العام، أي تتخذ الإجراءات القانونية بتحريك الدعوى الجزائية ضد المُتهم

ولو لم يتقدم المشتكي بشكواه.”

ولا يقبل الصلح والتنازل فيها عن المتهم لأنها ليست من الجرائم التي يتوقف تحريكها

 على شكوى المجني عليه، المنصوص عليها في المادة (٣) من قانون اصول المحاكمات

 الجزائية، كما لا يقبل الصفح عن المحكوم عليه فيها .

وفقاً لذلك فإن متخصصين في القانون، يجدون أن المشرع العراقي يوفر بالفعل

الحماية للمحامين دون الحاجة إلى قوانين خاصة بذلك وفقرات محددة، لكن مع هذا

 يصر البعض الآخر على ذلك في ظل شيوع ما يعرف في البلاد بالسلاح المنفلت،

والذي انتشرت بسببه الاعتداءات على مختلف شرائح المجتمع.

أمين سر نقابة المحامين العراقيين أحمد الزيدي، يقدر أعداد المحامين الذين

يتعرضون للقتل كمعدل سنوي من أربعة إلى خمسة محامين، أما الاعتداءات

الجسدية واللفظية فيقول بأن معدلاتها تختلف بحسب بيئة المجتمع من محافظة

إلى أخرى.

ويذكر بأن جهل المجتمع بعمل المحامي هو سبب الاعتداءات التي تحدث ضده،

 ويقول بأن المحامي يعمل في بيئة خطرة، موضحاً:”المجتمع تسوده الفوضوية

وانتشار السلاح والنزعة العشائرية وبمجرد رفع دعوى لصالح موكل كأن تكون

حضانة طفل أو نفقة، يجد المحامي نفسه أمام عقبات عديدة منها التهديد والوعيد عبر

 أرقام هواتف غريبه أو القوامة العشائرية أو يتعرض للتسقيط في مواقع التواصل

 الاجتماعي على صفحات وهمية”.

ويحمل الزيدي مجلس النواب المسؤولية عما يواجهه المحامي، لعدم تشريع قانون

رادع يوفر له الحماية، وحذر من ازدياد وتيرة الاعتداءات اذا بقى الوضع على ما

هو عليه لأن قانون حماية المحامين قديم ولا يتناسب مع الوضع الحالي.

ويضيف:”نحن بحاجة إلى مساعدة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية

 من أجل تثقيف بعض فئات المجتمع لدور المحامين، بدءاً من موظفي المؤسسات

الحكومية، فالبعض منهم يعدون المحامي منافساً لهم في أعمالهم، ويعلنون كرههم

 لمهنة المحاماة، وكثير من الموظفين ومدراء الدوائر يوقفون معاملات يتتبعها

 محامون”.

وعن دور النقابة في حال تعرض محام للإعتداء يقول الزيدي:”النقابة تكون طرفاً

في القضية التي يكون أحد أطرافها محام، وهي تسهم من تلقاء نفسها بالجانب

 القانوني، وترسل ممثل قانوني، وهي لاتتنازل عن حق أي محام، الا اذا كان

موقفه ضعيفاً أو يثبت للنقابة ان دعوى الاعتداء شخصية ولا علاقة لها بالجانب المهني”.

اعتداءات وتهديدات

يقول المحامي، نوزاد علي، من بغداد، الذي تعرض لتهديدات وضغوطات

أجبرته على التخلي عن بعض الدعاوى، أن مهنة المحاماة تواجه مصاعب

وتحديات كبيرة في المجتمع العراقي بسبب تعدد السلطات خارج المنظومة

القانونية للدولة.

ويوضح:”هنالك سلطة حاملي السلاح سواء كانوا موالين للدولة أو ضدها، فبوسعهم

قتل أي شخص في وضح النهار والمحامي ضحية مثالية اذا اعترض طريقهم،

 وهنالك سلطة العشيرة التي تفرض أعرافها وأيضا بقوة السلاح، وهنالك الحزبيون

 والمقربون منهم وما يمتلكونه من نفوذ”.

ويشير إلى أن بوسع أي من هذه السلطات أن تؤثر على المحامي سواءً بالإعتداء

الجسدي أو التهديد اللفظي بسبب دعوى توكل فيها “أنا شخصياً تخليت عن دعاوى

عديدة توكلت فيها بسبب تهديدات تلقيتها من خصوم موكليني”.

أما المحامي محمد أحمد من نينوى، فيقول بأنه تعرض إلى مضايقات من الأجهزة

 الأمنية قبل سيطرة داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى في حزيران

/يونيو2024، وكذلك بعد تحريرها من التنظيم في صيف 2017.

إذ توكل في مناسبتين عن شخصين متهمين بالانتماء إلى جماعات مسلحة:”تلقيت

 تهديدات في المرتين من ضباط في الأجهزة الأمنية، أحدهم اتهمني بالانتماء

 لداعش مع أنني مجرد محامٍ أقوم بعملي الذي يكفله القانون، كما أنني أصلا من

 المتضررين من داعش لأنني نزحت عن المدينة لأكثر من ثلاث سنوات وفقدت

العديد من اقربائي واصدقائي الذين قتلهم التنظيم الإرهابي”.

وذكر بأن الجماعات المسلحة قبل 2014 كالقاعدة وبعدها داعش، كانوا

 يهددون المحامين ويبتزونهم، وكذلك الحال بعد 2017، إذ نشطت عصابات

 ابتزت بعض المحامين مدعين أنتمائهم لميليشيات الحشد الشعبي، يقول عن

ذلك:”حتى مراكز الشرطة تتجنب استلام شكوى بهذا الخصوص او التعامل معها

 وفقا للسياقات القانونية، لأن سلطات بعض الجهات أقوى من الجهات الأمنية

القانونية”.

يؤكد محامون من العاصمة بغداد لمعدي التحقيق، ان مهنتهم باتت خطرة، فحتى

 العمل في القضايا غير الأمنية أو المتعلقة بالمشاكل الاجتماعية والخصومات

 المالية والتجارية، باتت أمراً مقلقاً، ولا يمكن التنبؤ بمن سيظهر لتهديدك.

إذ يقول المحام أحمد سالم وهو متخصص بالدعاوى المدنية”الأمر بات كارثيا

 ولا يمكن لأحد مواجهة كل هذه السلطات التي تتحرك خارج القانون”. ويتساءل:

 ماذا يمكن أن تفعل النقابة حيال ذلك؟ ويجيب بنفسه “لا شيء”. ويضيف: “كل

 قادة ومسؤولي الحكومات المتعاقبة يعرفون ذلك ويسكتون ما يعمق المشكلة”.

في أواخر 2022، خرجت المحامية دعاء الطائي، على وسائل الإعلام لتكشف

 عن اعتداءات تعرضت لها في دائرة الإقامة بالعاصمة بغداد، من قبل ضابط برتبة

 عميد في قسم إقامة الأجانب، مؤكدة تعرضها والعديد من زميلاتها قبل ذلك

 الى التحرش والتضييقات خلال ممارستهن لعملهن. فأمر وزير الداخلية عبد الأمير

الشمري بأثر ذلك، فتح تحقيق بالحادث، وافراغ كاميرات المراقبة في دائرة

الإقامة والاستماع الى الشهود.

بعد الحادثة، ورغم صدور أمر قضائي حينها بإستقدام الضابط وفق أحكام المادة

 (٢٣٠) من قانون العقوبات العراقي، ومفاتحة مراجعه بذلك، إلا أن مجلس نقابة

 المحامين قرر اغلاق غرف المحامين في محاكم قوى الأمن الداخلي كافة،

وإيقاف الانتداب وتوجيه المحامين بالإمتناع عن الترافع فيها، احتجاجاً على الواقعة.

نقيبة المحامين أحلام اللامي، ذكرت بأن الاحتجاج هذا لايتعلق فقط بحادثة الاعتداء

على المحامية دعاء الطائي، بل هي رسالة “يجب أن يفهمها الجميع، بأن النقابة

والمحامين لن يسكتوا عن أي تجاوز بحقهم”.

وأصدرت بيان النقابة شجب واستنكار لحادثة الإعتداء، عبرت فيه عن استغرابها

من أن يصل الأمر إلى أن يُعتدى على محامية عراقية بعد أن راجعتْ مديرية الإقامة

 العامة “وأن يجعل منها المعتدي بعد ذلك، متهمةً ويزج بها في خانة الإتهام،

والتوقيف مستغلاً بذلك شكوى اعتاد بعضُهم على اصطناع أدلتها لعلمها بما

سيؤول الامرُ إليه، كي يحمي جريمته فهذا مما لن نسكتْ عليه، ولن نمرره

مرورَ الكرام”.

رغم موقف النقابة ذلك، لكن الواقع على الأرض يظهر عجزها عن القيام

 بأي تحرك يوقف التجاوزات والاعتداءات المتكررة التي تقوم بها جهات نافذة

داخل مؤسسات الدولة أو قوى خارجها.

في نيسان/أبريل 2023، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام

 بخبر تعرض المحامية حنين الطائي، إلى جراح إثر طعنها بالسكاكين في حي

 الجهاد غربي العاصمة بغداد، وذلك بسبب دعوى قضائية توكلت فيها.

وذكرت المحامية أنّ الشخص الذي هاجمها وينتمي لجهة مسلحة، قام لاحقاً بسلب

 هاتفها، ووضع شريحة هاتفها في جهاز آخر وحذف مناشدتها التي وجّهتها بشأن

 الاعتداء، وهدّد بنشر صورها المتوفّرة على تطبيق “سناب شات”.

وذكرت بأن المعتدي عليها سبق وأن أرسل ستة أشخاص إلى منزلها واعتدوا

على عامل لديها، ودعت الجهات القضائية إلى مساعدتها لأنها لم تعد تأمن على

 حياتها وحياة أفراد عائلتها بعد الآن.

بعد أيام او أسابيع من كل قضية تتم اثارتها، وترتبط باعتداءات صارخة على

محامين، ينتهي الموضوع في الغالب بتسويات جانبية دون معالجة جوهر المشكلة

ودون تقديم الجناة الى القضاء كونهم محمين من أحزاب أو قوى مسلحة أو جهات

عشائرية، لينتهي الموضوع. يقول المحامي طلال غانم”هذه هي المشكلة الكبرى،

 يفلت الغالبية ان لم نقل الجميع من العقاب، ما يمهد لجرائم أخرى”.

حيازة السلاح

أمين سر نقابة المحامين أحمد الزيدي، يقول بأن وزارة الداخلية سمحت ومنذ عدة

 سنوات للمحامين بحيازة السلاح “معاملة الحصول عليها سهلة، ويتم ترويجها

عبر النقابة”. ويستدرك:”مع أن حمل المحامي للسلاح حل ترقيعي، لكن هنالك من

يجده ضروريا، فبعد ان يتم السطو على منزله او مهاجمته سيضطر إلى حمل السلاح

 للدفاع عن نفسه”.

في هذا الصدد يقول القاضي سالم روضان، أن حق المحامي بحيازة السلاح الناري

مكفول بموجب المادة (6) من قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017، إذ أجازت لأي

 مواطن وليس المحامي فقط، لأن يقدم طلباً لمنحه إجازة حيازة وحمل السلاح

الناري بعد توفر بعض الشروط اللازمة.

وبذلك فهو ينفي ضرورة تشريع قانون خاص يتيح للمحامي حمل السلاح، فهو

يرى بأنه لن يكون فعالاً لحماية المحامي من الاعتداء، طالما لا توجد “قوى

 فعالة وحقيقية في انفاذ القانون وتأمين الحماية للجميع”.

والمحامي وفقاً لرؤيته، لديه مهام يصفها بالنبيلة والسامية تتعلق بحماية الحقوق

 والحريات “عبر الحجة والدليل والفكر النير وغيرها من أدوات العقل والتفكير

 وليس بالسلاح”. لذلك فهو يعتقد بأن تشريع قانون إضافي لحمل السلاح “سوف

 يسهم في جعل السلاح بيد الأفراد  وليس بايدي السلطات المختصة”.

ويتابع القاضي، أن المنظومة التشريعية لا يوجد بها قانون بعنوان (قانون حماية

 المحامين) مثلما عليه الحال في قانون حماية الأطباء، ويشير إلى قانون العقوبات

النافذ رقم 111 لسنة 1969 وقانون المحاماة وفر النصوص القانونية التي تؤمن

الحماية القانونية لمهنة المحاماة وعمل المحامي، ووردت فيها نصوص قانونية تحفظ

حقه وكذلك حياته أثناء ممارسته لمهنته.

لذا هو يعتقد بأن النصوص القانونية النافذة كافية لتأمين الحماية للمحامي وغير

 المحامي، فيما لو تم تفعيل الجهات المكلفة بحماية المواطن أي كان وصفه،

وهذه الجهات هي القوات الأمنية المكلفة بتوفير الأمن الشخصي والجماعي

لكل من يقيم في الأراضي العراقية.

ويشير إلى ما ورد في المادة (1) من قانون واجبات رجل الشرطة رقم 176 لسنة

 1980 النافذ التي جاء فيها “تختص قوى الأمن الداخلي بالمحافظة على النظام

والأمن الداخلي، ومنع إرتكاب الجرائم، وتعقيب مرتكبيها، والقبض عليهم،

 والقيام بالمراقبة المقتضاة لها، وحماية الأنفس والأموال، وجمع المعلومات المتعلقة

بأمن الدولة الداخلي وسياستها العامة، وضمان تنفيذ الواجبات التي تفرضها

عليها القوانين والأنظمة”.

(صهيب، ب) محام متمرس من محافظة الأنبار، عمل في مهنة المحاماة لنحو

 30 سنة، لكنه وبسبب حادث تعلق بمهنة المحاماة، أضطر إلى مغادرة البلاد ليستقر

 منذ 2018 في أسطنبول بتركيا.

يقول:”أنا من قرية في الصقلاوية بالانبار، ومعروف هناك بمساعدتي للناس، وذات

يوم  طرقت سيدة بابي، تشكو لي ابنها الذي طردها من بيتها، وذكرت بأنه تلاعب

بها، بعد أن جعلها توقع على تنازل عن الدار التي كانت مسجلة بأسمها في

 التسجيل العقاري، وأرادت مني استرجاعه لها”.

يضيف: “في اليوم التالي كنت انتظر قدومها من أجل أن نذهب الى كاتب العدل

 لعمل وكالة، وعندما طرق الباب وفتحته، وجدت عدة أشخاص غاضبين

يحملون سكاكين وهراوات أمام باب بيتي، وأنهالوا علي بالضرب أمام زوجتي

وبناتي، أصبت بجروح وزوجتي بمرض السكري جراء الصدمة من الحادث”.

بعدها أضطر المحامي صهيب، لحمل مسدس معه أينما ذهب فقد تلقى تهديدات

بالقتل إن حرك ضد المعتدين عليه شكوى، ولم يستطع العودة الى عمله، فعائلته

 باتت ترى أن كل قضية يمكن أن يواجه فيها مصيراً ممثالاً.

لم يصمد المحامي ويلاً أمام أصرار عائلته على ترك البلاد بأسرها، فباع منزله

 وما يمتلكه من عقارات، وهاجروا إلى تركيا دون عودة. وقد هجر العشرات من

المحامين الباقين في البلاد مهنتهم الى مهن أخرى خوفاً من ملاحقات واعتداءات

 القوى النافذة في الدولة التي تشهد ضعفاً في تطبيق القانون عبر أجهزتها التنفيذية.

  • أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية ومنظمة سي اف آي.

اقرأ أيضا: القلق من تدهور الأمن أم قلة فرص العمل، لماذا يفضل مسيحيو العراق الهجرة إلى الخارج؟

Back to top button