مجلة ضوء:عادل كمال- بغداد
صدرت عن دار الأدهم للنشر والتوزيع في القاهرة، رواية للكاتب المغربية المقيمة في النرويج،
المبدعة زكية خيرهم، حملت عنوان( طريق المجهول)، ضمت 430 صفحة من القطع المتوسط.
تتناول الرواية موضوعات عدة، منها الانتماء، الهوية، والبحث عن الذات في إطار من المغامرات
الشيّقة في قلب الصحراء المغربية. ووفقا للكاتبة، فان عملها يمزج بين “العمق النفسي للبحث عن
المعنى وبين الطبيعة الساحرة التي تلعب دوراً مهماً في إضفاء الروحانية على الرحلة”.
تسرد الرواية رحلة خزعل وجنوده الأربعة من بلدهم في المشرق، حيث انطلقوا في محاولة
للهجرة إلى أوروبا عبر تركيا، مستعينين بطرق التهريب المعروفة من مدينة إزمير. هذه الرحلة
تحمل في طياتها الكثير من الصعوبات والمخاطر التي يواجهها المهاجرون في محاولتهم للوصول
إلى “الحلم الأوروبي”. من تركيا، حاول خزعل ورفاقه التوغل في الغابات الأوروبية، وهم
يواجهون كل أنواع العقبات، سواء كانت قسوة الطبيعة أو التوترات الأمنية التي تلاحق
المهاجرين غير الشرعيين.
تجربة خزعل في هذه الرحلة ليست فقط مادية، بل هي أيضًا رحلة نفسية تعريه من أحلامه
الكبيرة التي اصطدمت بواقع شديد القسوة. المحاولات المتكررة للوصول إلى ألمانيا تبوء بالفشل،
مما يدفعه للعودة إلى تركيا، حيث تبدأ المرحلة التالية من رحلته، وهي العودة إلى المغرب. العودة،
هنا، ليست هزيمة بقدر ما هي إعادة اكتشاف لجذوره، ومحاولة لإعادة بناء حياته بعيدًا عن تلك
الأحلام المفرطة التي لم تحقق الواقع. تجربة خزعل ورفاقه تسلط الضوء على كيف يمكن أن تتحول
الهجرة من “حلم” إلى “كابوس”، حيث يواجه المهاجرون في الطريق ما لم يكن يخطر لهم على
بال، مما يجعلهم يتساءلون عن حقيقة ما يبحثون عنه. العودة إلى المغرب في نهاية الرواية
تعتبر بمثابة صحوة لذات خزعل ولرفاقه، فهي توضح أن الحل ليس دائمًا في الهروب إلى المستقبل
المجهول، بل قد يكون في العودة إلى الجذور ومحاولة التغيير من الداخل. هذه الرحلة التي عاشها
خزعل تمثل جانبًا كبيرًا من معاناة المهاجرين، وتكشف عن الفجوة الكبيرة بين الأحلام المرسومة
حول حياة أفضل في أوروبا وبين الواقع القاسي الذي ينتظرهم. الرواية، من خلال سردها لتجربة
خزعل، تقدم نقدًا واضحًا للرؤية الفردية للتغيير عبر الهجرة، وتطرح تساؤلات عميقة حول
مدى إمكانية تحقيق التغيير الشخصي والاجتماعي عبر مغادرة الوطن أم من خلال مواجهة
التحديات داخله.
وقد جاء في الرواية:
“في أعماق ذلك الزمن الموحش، حيث كانت حياتي مجرد ظلال رمادية، وجدت في السي مبارك
نورًا يضيء دربي المظلم. لم يكن مجرد بائع مكسرات في زاوية الشارع، بل كان ملاذاً وأباً روحيا
لروحي المتعبة. بعد ذلك اليوم الذي دافع فيه عني، اقتربت منه ودموعي تنهمر على وجنتي،
ممتنًا له على موقفه النبيل. ‘عمي، لم أسمع مثل كلامك ونصائحك في حياتي!’ قلتها بصوت مختنق
بالعبرات. ‘لم يعرني أحد اهتماما قط، لا أحد تحدث معي أو أحسسني بأني إنسان”.
وبالعودة إلى زكية خيرهم، فهي تؤكد بأن رسالة روايتها هي: تقديم رؤية عميقة بشان كيفية استعادة
الإنسان لذاته الحقيقية، إذ تشير إلى أن الرحلات الجسدية نحو الأماكن النائية مثل الصحراء ما هي
إلا انعكاس للرحلات الروحية التي نقوم بها داخل أنفسنا. وتوضح الرواية أن القوة والتغيير
الحقيقيين ينبعان من داخل الإنسان، وأن لكل إنسان قدرة على كتابة قصته الخاصة والمساهمة
في تشكيل مجتمعه.
كما أن العمل يتناول وبعمق موضوعة الهجرة من المشرق إلى أوروبا ومعاناة المهاجرين هناك،
إذ تركز الرواية على حياة الشاب حمزة الذي يسافر من المغرب إلى أوروبا، بحثًا عن فرص
حياة أفضل، ويواجه تحديات وصعوبات هائلة في رحلته. الرواية تسلّط الضوء على المصاعب
التي يواجهها المهاجرون في بلاد المهجر، بدءًا من الظروف القاسية في الغابات التي يختبئون فيها
بعيدًا عن السلطات الأوروبية، مروراً بالظروف المعيشية الصعبة والتوترات الأمنية والاقتصادية،
وصولًا إلى الشعور بالغربة وفقدان الهوية.
تُظهر الرواية أن رحلة الهجرة ليست فقط مغامرة مادية للبحث عن الاستقرار والفرص، بل هي
أيضًا رحلة نفسية تعرّي مشاعر العزلة والضياع التي يمر بها المهاجرون. على الرغم من هذه
الصعوبات، تُظهر الرواية أن الهجرة قد تكون فرصة للنمو والتطور، كما يظهر في شخصية
حمزة الذي يعود في النهاية إلى وطنه المغرب حاملًا معه دروس الحياة التي تعلمها في أوروبا،
والتي تفتح له آفاقًا جديدة للمساهمة في مجتمعه. الرواية تكشف الجانب الإنساني والروحاني للهجرة،
حيث توضح أن المهاجرين لا يهربون فقط من ظروفهم الاقتصادية، بل أيضًا من أجل البحث
عن هوية جديدة ومعنى أعمق لحياتهم، وهو ما يكتشفه حمزة في أوروبا ثم يُعيد اكتشافه مجددًا
عند عودته إلى بلاده الأم. رسالة حول الهجرة: تعكس “رحلة الصحراء الساحرة” المأساة والبطولة
في رحلة الهجرة، مظهرة كيف يمكن لهذه الرحلة أن تكون بداية للتغيير الشخصي، وكيف يواجه
المهاجرون تحديات قد تبدو مرهقة، لكنها تُلهمهم في النهاية للبحث عن جذورهم وإعادة بناء ذواتهم
بعد تجربة المنفى.
يذكر أن زكية خيرهم أديبة مغربية – نرويجية، تقيم في النرويج منذ 1990، أصدرت من قبل
مؤلفات عديدة من بينها( مسرحية محاكمة الحذاء العربي، ونهاية سري الخطير،و قصص مسائية
من العالم الواسع- كتاب للأطفال، مع 11 كاتب من جنسيات متعددة، والعربان في بلاد القرصان،
مجموعة قصصية. كتبت مسرحية بالاشتراك مع كاتبة الدراما السويدية، لينا ستايملر). حصلت على
ماجستير أدب إنجليزي من جامعة سان فرتنسيس كالدج فورثواين، انديانا بوليس، . عملت أستاذة للغة
الفرنسية في مدرسة ارتهاغن بأوسلو، وفي المركز الثقافي العراقي بالعاصمة النرويجية
سنة 1996، كما شغلت منصب نائبة رئيسة المنتدى العربي بأوسلو سنة 1997، وعملت مستشارة
للمركز الثقافي النرويجي 2004 لاختيار كتب من الأدب العربي لترجمتها. وحصلت على شهادة
سفيرة سلام من المنظمة الفدرالية العالمية للسلام سنة 2006 في جنيف. تنشط حاليا في المنتدى
الثقافي المغربي النرويجي منذ 2008 وهي عضوة في نقابات الكتاب في النرويج وعضوة في
اتحاد كتاب المغرب. صدر ت لها مجموعة قصصية بعنوان شظايا البوح دار الادهم للنشر والتوزيع
القاهرة 2024 وكتاب بعنوان تجليات الصورة الفنية في أدب الشاعر خليل حسونة 2023 دار أرفلون
أقرأ أيضا: الهروب الى اللامكان