مجلة ضوء:اعداد- ميادة احمد
وُلد نزار قباني وأسمه الكامل هو نزار توفيق القباني، في شهر آذار/مارس 1923 بحي مئذنة الشحم بدمشق،
ونشأ ضمن عائلة عريقة النسب وذات اهتمامات فنية وثقافية. التحق نزار بمدارس دمشق، وأنهى مراحل تعليمه
الابتدائية والثانوية في(الكلية العلمية الوطنية)، حيث كانت لغة التدريس فيها مزدوجة بين العربية والفرنسية. هناك،
تعرّف على الأدب الفرنسي من خلال أساتذته وتأثر بالثقافة الغربية، مما ترك بصمة واضحة في كتاباته لاحقًا.
المرحلة الجامعية والحياة الدبلوماسية
في سنة 1945، تخرج نزار قباني من كلية الحقوق بجامعة دمشق، ولكنه لم يتجه للعمل في مجال القانون، بل التحق
بالسلك الدبلوماسي السوري(وزارة الخارجية). شغل ممنصب سفير سوريا في العديد من الدول، منها الصين الشعبية،
إسبانيا، تركيا، بريطانيا، ومصر. خلال هذه الفترة، كان لنزار فرصة الاحتكاك بالثقافات المختلفة، وهو ما أثرى تجربته
الشعرية.
عمل نزار في السلك الدبلوماسي حتى سنة 1966، عندما قرر الاستقالة ليتفرغ بنحو كامل للشعر والأدب، وهو القرار
الذي جاء بعد نضوج قناعاته ورغبته في التركيز على ما يهمه أكثر في الحياة: الشعر، كما ذكر في مقابلات صحافية كثيرة
أجريت معه.
الحياة الشخصية
تزوج نزار قباني مرتين. الأولى في سنة 1948، إذ اقترن لأول بسورية من دمشق، ورُزق منها بطفلين هما:
هدباء وتوفيق. توفي ابنه توفيق في سن صغيرة، وكانت هذه المأساة واحدة من الضربات العاطفية الكبيرة التي واجهها
الشاعر. لاحقًا، وفي سبعينيات القرن العشرين، تزوج نزار من العراقية بلقيس الراوي، التي كانت تعمل في السفارة
العراقية ببيروت، وأنجب منها طفلين آخرين: زينب وعمر.
مقتل بلقيس في تفجير استهدف السفارة العراقية ببيروت في بداية الثمانينيات كان بمثابة الصدمة التي قلبت حياة نزار
رأسًا على عقب. كتب قصيدة مؤثرة جدًا بعنوان(بلقيس)يُمزج فيها رثاءه لزوجته بحس نقدي للواقع السياسي والاجتماعي في العالم العربي، وتُعتبر واحدة من أهم وأشهر قصائده.
مسيرته الشعرية وبداياته الفنية
بدأ نزار قباني كتابة الشعر في سن مبكرة، ونشر أول قصيدة له سنة 1939 بعنوان (قالت السمراء)، وهي
القصيدة التي حملت عنوان أول ديوان شعري صدر له عام 1944. تميز أسلوب نزار ببساطته وعمقه، إذ
استطاع الجمع بين لغة شعرية سلسة وأفكار معقدة، خاصة فيما يتعلق بالحب، المرأة، والسياسة.
لم تكن حياة نزار بعيدة عن التجريب؛ في شبابه جرب الرسم والموسيقى، ولكنه سرعان ما استقر على
الشعر كوسيلة للتعبير الفني.
أسس دار نشر حملت أسمه في بيروت بعد استقالته من السلك الدبلوماسي عام 1966، والتي أصبحت
مقرًا لإنتاجاته الأدبية.
الشعر الرومانسي والسياسي
اشتهر نزار قباني بشعره الرومانسي الذي كان يتناول المرأة، الحب، والجمال بطريقة غير تقليدية. لقد
تحدى في شعره الرومانسي الأعراف الاجتماعية المحافظة في المجتمعات العربية، وكتب عن الحب
بشجاعة ووضوح. ولكن، مع نضوج تجربته الشعرية،
بدأ نزار في التوجه نحو السياسة، خاصة بعد نكسة 1967، حيث كتب قصائد تنتقد الواقع العربي
والاستبداد والقمع، وتحولت قصائده إلى صوت يعبر عن آلام الشعوب العربية.
أبرز دواوينه وقصائده
من أبرز دواوين نزار قباني:
- قالت السمراء (1944) – ديوانه الأول الذي وضعه على خريطة الشعر العربي.
- طفولة نهد (1948) – مجموعة قصائد تعزز مكانته كواحد من شعراء الحب الكبار.
- الرسم بالكلمات (1966) – ديوان شعري يعكس تأملاته في الفن والحياة.
- هوامش على دفتر النكسة (1967) – واحد من أشهر دواوينه السياسية، يتناول فيه نكسة يونيو بحس نقدي.
- إلى بيروت الأنثى، مع حبي (1979) – يتحدث فيه عن بيروت في فترة الحرب الأهلية.
- بلقيس (1982) – قصيدة رثائية خالدة لزوجته التي قتلت في تفجير السفارة العراقية.
نزار والغناء العربي
كان لشعر نزار قباني صدى واسع في عالم الموسيقى والغناء العربي. غنى له العديد من أشهر المطربين العرب، ومن بينهم
- عبد الحليم حافظ: غنى قصيدة “قارئة الفنجان”. و”رسالة من تحت الماء”
- كاظم الساهر: تعاون مع نزار في عدد كبير من القصائد منها “زيديني عشقاً” و”إني خيرتك”.
- ماجدة الرومي: غنت له “كلمات”.
- أم كلثوم: غنت له “أصبح عندي الآن بندقية”
الجوائز والمشاركات الأدبية
شارك نزار قباني في العديد من المهرجانات الشعرية العربية والدولية، وكان دائم الحضور في الساحة الثقافية سواء من خلال شعره أو من خلال الحوارات الأدبية والفكرية التي كان يشارك فيها. رغم أنه لم يكن يبحث عن الجوائز، إلا أن
شعره نال تقديرًا واسعًا من قبل الجماهير والنقاد على حد سواء.
الوفاة والإرث
توفي نزار قباني في لندن في الثلاثين من أبريل/نيسان 1998، عن عمر يناهز 75 عامًا، بعد مسيرة شعرية غنية ومؤثرة
استمرت لأكثر من خمسة عقود. ترك وراءه إرثًا شعريًا لا يزال يتردد صداه حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضا: غابريل غارسيا ماركيز ومزج الواقع بالخيال